تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٢٧٩
ليتمهد له سؤال الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما.
ولم يقل: وليعد للكافرين عذابا، إشارة أن عذابهم ليس من العلل الغائية لاخذ الميثاق وانما النقص من ناحيتهم والخلف من قبلهم.
وأما سؤال الصادقين عن صدقهم فقيل: المراد بالصادقين الأنبياء وسؤالهم عن صدقهم هو سؤالهم يوم القيامة عما جاءت به أممهم وكأنه مأخوذ من قوله تعالى: (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم) المائدة: 109.
وقيل: المراد سؤال الصادقين في توحيد الله وعدله والشرائع عن صدقهم أي عما كانوا يقولون فيه، وقيل: المراد سؤال الصادقين في أقوالهم عن صدقهم في أفعالهم، وقيل: المراد سؤال الصادقين عما قصدوا بصدقهم أهو وجه الله أو غيره؟ إلى غير ذلك من الوجوه وهي كما ترى.
والتأمل فيما يفيده قوله: (ليسأل الصادقين عن صدقهم) يرشد إلى خلاف ما ذكروه، ففرق بين قولنا: سألت الغنى عن غناه وسألت العالم عن علمه، وبين قولنا:
سألت زيدا عن ماله أو عن علمه، فالمتبادر من الأولين أنى طالبته أن يظهر غناه وأن يظهر علمه، ومن الأخيرين أنى طالبته أن يخبرني هل له مال أو هل له علم؟ أو يصف لي ما له من المال أو من العلم.
وعلى هذا فمعنى سؤال الصادقين عن صدقهم مطالبتهم أن يظهروا ما في باطنهم من الصدق في مرتبة القول والفعل وهو عملهم الصالح في الدنيا فالمراد بسؤال الصادقين عن صدقهم توجيه التكليف على حسب الميثاق إليهم ليظهر منهم صدقهم المستبطن في نفوسهم وهذا في الدنيا لا في الآخرة فأخذ الميثاق في نشأة أخرى قبل الدنيا كما يدل عليه آيات الذر (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى) الآيات.
وبالجملة الآيتان من الآيات المنبئة عن عالم الذر المأخوذ فيه الميثاق وتذكر أن أخذ الميثاق من الأنبياء عليهم السلام وترتب شأنهم وعملهم في الدنيا على ذلك في ضمن ترتب صدق كل صادق على الميثاق المأخوذ منه.
ولمكان هذا التعميم ذكر عاقبة أمر الكافرين مع أنهم ليسوا من قبيل النبيين
(٢٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 ... » »»
الفهرست