المأخوذ من النبيين ميثاق خاص من حيث إنهم نبيون وهو غير الميثاق المأخوذ من عامة البشر الذي يشير إليه في قوله: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى) الأعراف: 172.
وقد ذكر أخذ الميثاق من النبيين في موضع آخر وهو قوله: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلك إصري قالوا أقررنا) آل عمران: 81.
والآية المبحوث عنها وان لم تبين ما هو الميثاق المأخوذ منهم وان كانت فيها إشارة إلى أنه أمر متعلق بالنبوة لكن يمكن أن يستفاد من آية آل عمران أن الميثاق مأخوذ على وحدة الكلمة في الدين وعدم الاختلاف فيه كما في قوله: (ان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) الأنبياء: 92، وقوله: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) الشورى: 13.
وقد ذكر النبيين بلفظ عام يشمل الجميع ثم سمى خمسة منهم بأسمائهم بالعطف عليهم فقال: (ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم) ومعنى العطف اخراجهم من بينهم وتخصيصهم بالذكر كأنه قيل: وإذ أخذنا الميثاق منكم أيها الخمسة ومن باقي النبيين.
ولم يخصهم بالذكر على هذا النمط الا لعظمة شأنهم ورفعة مكانهم فإنهم أولوا عزم وأصحاب شرائع وكتب وقد عدهم على ترتيب زمانهم: نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى بن مريم عليهم السلام، لكن قدم ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو آخرهم زمانا لفضله وشرفه وتقدمه على الجميع.
وقوله: (وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) تأكيد وتغليظ للميثاق نظير قوله: (فلما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ) هود: 58.
قوله تعالى: (ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما) اللام في (ليسأل للتعليل أو للغاية وهو متعلق بمحذوف يدل عليه قوله: (وإذ أخذنا) وقوله: (وأعد) معطوف على ذلك المحذوف، والتقدير فعل ذلك أي أخذ الميثاق