فقاموا وقالوا ردا على القوم في اقتراحهم وتحكمهم: ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا.
ثم قالوا: وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهئ لكم من أمركم مرفقا.
ثم دخلوا الكهف واستقروا على فجوة منه وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد فدعوا ربهم بما تفرسوا من قبل أنه سيفعل بهم ذلك فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهئ لنا من أمرنا رشدا فضرب الله على آذانهم في الكهف سنين ولبثوا في كهفهم وكلبهم معهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ويقلبهم الله ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا.
ثم إن الله بعثهم بعد هذا الدهر الطويل وهو ثلاثمائة وتسع سنين من يوم دخلوا الكهف ليريهم كيف نجاهم من قومهم فاستيقظوا جميعا ووجدوا أن الشمس تغير موقعها وفيهم شئ من لوثة نومهم الثقيل قال قائل منهم: كم لبثتم؟ قال قوم منهم: لبثنا يوما أو بعض يوم لما وجدوا من تغير موقع الشعاع وترددوا هل مرت عليهم ليله أو لا؟
وقال آخرون منهم: بل ربكم أعلم بما لبثتم ثم قال: فابعثوا بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه فإنكم جياع وليتلطف الذاهب منكم إلى المدينة في مسيره إليها وشرائه الطعام ولا يشعرن بكم أحدا إنهم إن علموا بمكانكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا.
وهذا أو ان أن يعثر الله سبحانه الناس عليهم فإن القوم الذين اعتزلوهم وفارقوهم يوم دخلوا الكهف قد انقرضوا وذهب الله بهم وبملكهم وملتهم وجاء بقوم آخرين الغلبة فيهم لأهل التوحيد والسلطان وقد اختلفوا أعني أهل التوحيد وغيرهم في أمر المعاد فأراد الله سبحانه أن يظهر لهم آية في ذلك فأعثرهم على أصحاب الكهف.