(ولفظ أبى داود) فقلنا: ندخل المدينة فنبيت فيها لنذهب ولا يرانا أحد فدخلنا فقلنا: لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فان كانت لنا توبة أقمنا وان كان غير ذلك ذهبنا فجلسنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل صلاة الفجر فلما خرج قمنا إليه فقلنا: نحن الفرارون الخ.
تأول بعضهم هذا الحديث بتوسع في معنى التحيز إلى فئة لا يبقى معه للوعيد معنى ولا للغة حكم، وقد قال الترمذي فيه: حسن لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبى زياد أقول: وهو مختلف فيه ضعفه الكثيرون، وقال ابن حبان كان صدوقا إلا أنه لما كبر ساء حفظه وتغير فوقعت المناكير في حديثه فمن سمع منه قبل التغير فسماعه صحيح، وجملة القول: أن هذا الحديث لا وزن له في هذه المسألة لا متنا ولا سندا، وفي معناه أثر عن عمر هو دونه فلا يوضع في ميزان هذه المسألة. انتهى.
أقول: والذي نقله في أول كلامه من الوجوه والقرائن المحتفة بغزوة بدر من كونه أول غزوة في الاسلام، وكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينهم ونحو ذلك مشتركه بحسب حقيقة الملاك بينها وبين أمثال غزوة أحد والخندق وخيبر وحنين، والاسلام أيامئذ في حاجة شديدة إلى الرجال المقاتلين ثباتهم في الزحوف، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم بينهم، والله وعدهم بالنصر وأنزل في بعضها الملائكة لتأييدهم وإلقاء الرعب في قلوب أعدائهم.
والذي ذكره من الآيات النازلة في فرارهم يوم أحد ويوم حنين لا دلالة فيها على عدم شمول وعيد آية الأنفال لهم إذ ذاك وأي مانع يمنع من ذلك والآية مطلقة وليس هناك مقيد يقيدها.
ومن العجيب تسليمه كون فرارهم في اليومين كبيرة محرمة ثم قوله: إن ذلك لا يقتضى كونه مما يبوء صاحبه بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير بل قد يكون دون ذلك مع أن الكبائر الموبقة هي المعاصي التي أوعد الله عليها النار.
وأعجب منه قوله: إنه يتقيد بآية رخصة الضعف الآتية في هذه السورة، وبالنهي عن إلقاء النفس في التهلكة من حيث عمومها! مع أن آية رخصة الضعف إنما تدل على الرخصة في الفرار إذا كان يربو عدد الزاحفين من الأعداء على الضعف.
وآية النهى عن إلقاء النفس في التهلكة لو دلت بعمومها على أزيد مما يدل عليه