ان العلم لكونه شرطا عاما مستغنى عن ذكره، وظاهر قوله: (وأنتم تعلمون) بحذف متعلقات الفعل ان المراد: ولكم علم بأنه خيانة لا ما قيل: إن المعنى:
وأنتم تعلمون مفاسد الخيانة وسوء عاقبتها وتحريم الله إياها فان ذلك لا دليل عليه من جهة اللفظ ولا من جهة السياق.
فالوجه ان تكون الجملة بتقدير: وأن تخونوا أماناتكم، ويكون مجموع قوله:
(لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم) نهيا واحدا متعلقا بنوع خيانة هي خيانة أمانة الله ورسوله وهى بعينها خيانة لأمانة المؤمنين أنفسهم فان من الأمانة ما هي أمانة الله سبحانه عند الناس كأحكامه المشرعة من عنده ومنها ما هي أمانة الرسول كسيرته الحسنة، ومنها ما هي أمانة الناس بعضهم عند بعض كالأمانات من أموالهم أو اسرارهم، ومنها ما يشترك فيه الله ورسوله والمؤمنون، وهى الأمور التي أمر بها الله سبحانه وأجراها الرسول وينتفع بها الناس ويقوم بها صلب مجتمعهم كالأسرار السياسية والمقاصد الحربية التي تضيع بإفشائها آمال الدين وتضل بإذاعتها مساعي الحكومة الاسلامية فيبطل به حق الله ورسوله ويعود ضرره إلى عامة المؤمنين.
فهذا النوع من الأمانة خيانته خيانة لله ورسوله وللمؤمنين فالخائن بهذه الخيانة من المؤمنين يخون الله والرسول وهو يعلم أن هذه الأمانة التي يخونها أمانة لنفسه ولسائر إخوانه المؤمنين وهو يخون أمانة نفسه، ولن يقدم عاقل على الخيانة لأمانة نفسه فان الانسان بعقله الموهوب له يدرك قبح الخيانة للأمانة فكيف يخون أمانة نفسه؟
فالمراد بقوله: (وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) - والله أعلم - وتخونوا في ضمن خيانة الله والرسول أماناتكم والحال انكم تعلمون انها أمانات أنفسكم وتخونونها، وأي عاقل يقدم على خيانة ذ أمانة نفسه والاضرار بما لا يعود إلا إلى شخصه فتذييل النهى بقوله: (وأنتم تعلمون) لتهييج العصبية الحقة وإثارة قضاء الفطرة لا لبيان شرط من شرائط التكليف.
فكأن بعض افراد المسلمين كان يفشى أمورا من عزائم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المكتومة من المشركين أو يخبرهم ببعض اسراره فسماه الله تعالى خيانة. ونهى عنه، وعدها خيانة لله والرسول والمؤمنين.
ويؤيد ذلك قوله بعد هذا النهى: (واعلموا انما أموالكم وأولادكم فتنة) الخ