لهم ان ينفروا كافة، ولازمه ان يكون النفر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم.
فالآية تنهى مؤمنى سائر البلاد غير مدينة الرسول ان ينفروا إلى الجهاد كافة بل يحضضهم ان ينف طائفة منهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم للتفقه في الدين، وينفر إلى الجهاد غيرهم.
والأنسب بهذا المعنى ان يكون الضمير في قوله (رجعوا) للطائفة المتفقهين، وفي قوله: (إليهم) لقومهم والمراد إذا رجع هؤلاء المتفقهون إلى قومهم، ويمكن العكس بأن يكون المعنى: إذا رجع قومهم من الجهاد إلى هؤلاء الطائفة بعد تفقههم ورجوعهم إلى أوطانهم.
ومعنى الآية لا يجوز لمؤمني البلاد ان يخرجوا إلى الجهاد جميعا فهلا نفر وخرج إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم طائفة من كل فرقة من فرق المؤمنين ليتحققوا الفقه والفهم في الدين فيعملوا به لأنفسهم ولينذروا بنشر معارف الدين وذكر آثار المخالفة لأصوله وفروعه قومهم إذا رجعت هذه الطائفة إليهم لعلهم يحذرون ويتقون.
ومن هنا يظهر اولا: ان المراد بالتفقه تفهم جميع المعارف الدينية من أصول وفروع لا خصوص الاحكام العملية وهو الفقه المصطلح عليه عند المتشرعة، والدليل عليه قوله: (لينذروا قومهم) فإن ذلك أمر انما يتم بالتفقه في جميع الدين وهو ظاهر.
وثانيا: ان النفر إلى الجهاد موضوع عن طلبة العلم الديني بدلالة من الآية.
وثالثا: ان سائر المعاني المحتملة التي ذكروها في الآية بعيده عن السياق كقول بعضهم: إن المراد بقوله: (لينفروا كافة) نفرهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم للتفقه، وقول بعضهم في (فلو لا نفر): أي إلى الجهاد، والمراد بقوله: (ليتفقهوا) أي الباقون المتخلفون فينذروا قومهم النافرين إلى الجهاد إذا رجعوا إلى أولئك المتخلفين. فهذه ونظائرها معان بعيدة لا جدوى في التعرض لها والاطناب في البحث عنها.
قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا ان الله مع المتقين) أمر بالجهاد العام الذي فيه توسع الاسلام حتى يشيع في الدنيا فان قتال كل طائفة من المؤمنين من يليهم من الكفار لا ينتهى إلا باتساع الاسلام اتساعا باستقرار سلطنته على الدنيا واحاطته بالناس جميعا.
والمراد بقوله: (وليجدوا فيكم غلظة) أي الشدة في ذات الله وليس يعنى بها الخشونة والفظاظة وسوء الخلق والقساوة والجفاء فجميع الأصول الدينية تذم ذلك