قوله تعالى: (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الاعراب) إلى آخر الآيتين الرغبة ميل خاص نفساني والرغبة في الشئ الميل إليه لطلب منفعة فيه، والرغبة عن الشئ الميل عنه بتركه والباء للسببية فقوله: (ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه) معناه وليس لهم ان يشتغلوا بأنفسهم عن نفسه فيتركوه عند مخاطر المغازي وفي تعب الاسفار ودعثائها ويقعدوا للتمتع من لذائذ الحياة، والظمأ العطش، والنصب التعب والمخمصة المجاعة، والغيظ أشد الغضب، والموطئ الأرض التي توطأ بالاقدام.
والآية تسلب حق التخلف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أهل المدينة والاعراب الذين حولها ثم تذكر ان الله قابل هذا السلب منهم بأنه يكتب لهم في كل مصيبة تصيبهم في الجهاد من جوع وعطش وتعب وفي كل أرض يطئونها فيغيطون به الكفار أو نيل نالوه منهم عملا صالحا فإنهم محسنون والله لا يضيع أجر المحسنين، وهذا معنى قوله:
(ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ) الخ.
ثم ذكر أن نفقاتهم صغيرة يسيرة كانت أو كبيرة خطيرة وكذا كل واد قطعوه فإنه مكتوب لهم محفوظ لاجلهم ليجزوا به أحسن الجزاء.
وقوله: (ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون) غاية متعلقة بقوله: (كتب لهم) أي غاية هذه الكتابة هي ان يجزيهم بأحسن أعمالهم، وإنما خص جزاء أحسن الأعمال بالذكر لان رغبة العامل عاكفة عليه، أو لان الجزاء بأحسنها يستلزم الجزاء بغيره، أو لان المراد بأحسن الأعمال الجهاد في سبيل الله لكونه أشقها وقيام الدعوة الدينية به.
وههنا معنى آخر وهو ان جزاء العمل في الحقيقة إنما هو نفس العمل عائدا إلى الله فأحسن الجزاء هو أحسن العمل فالجزاء بأحسن الأعمال في معنى الجزاء بأحسن الجزاء ومعنى آخر وهو ان يغفر الله سبحانه سيئاتهم المشوبة بأعمالهم الحسنة ويستر جهات نقصها فيكون العمل أحسن بعد ما كان حسنا ثم يجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون فافهم ذلك وربما رجع المعنيان إلى معنى واحد.
قوله تعالى: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) السياق يدل على أن المراد بقوله: (لينفروا كافة) لينفروا وليخرجوا إلى الجهاد جميعا، وقوله: (فرقة منهم) الضمير للمؤمنين الذين ليس