بغيرهم وزوال تميزهم من سائر الناس وعفو أثر ذلك عنهم حتى يعود الجميع على نعت واحد وهو ان الله تاب عليهم برحمته فهم فيه سواء من غير أن يرتفع بعضهم عن بعض أو ينخفض بعضهم عن بعض.
وبهذا تظهر النكتة في تكرار ذكر التوبة في الآيتين فان الله سبحانه يبدء بذكر توبته على النبي والمهاجرين والأنصار ثم يقول: (ثم تاب عليهم) وعلى الثلاثة الذين خلفوا ثم يقول: (ثم تاب عليهم ليتوبوا) فليس إلا ان الكلام مسوق على منهج الاجمال والتفصيل ذكر فيه توبته تعالى على الجميع إجمالا ثم أشير إلى حال كل من الفريقين على حدته فذكرت عند ذلك توبته الخاصة به.
ولو كانت كل واحدة من الآيتين ذات غرض مستقل من غير أن يجمعها غرض جامع لكان ذلك تكرارا من غير نكتة ظاهرة.
على أن في الآية الأولى دلالة واضحة على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن له في ذلك ذنب ولا زيغ ولا كاد أن يزيغ قلبه فان في الكلام مدحا للمهاجرين والأنصار باتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يزغ قلبه ولا كاد ان يزيغ حتى صار متبعا يقتدى به ولولا ما ذكرناه من الغرض لم يكن لذكره صلى الله عليه وآله وسلم مع سائر المذكورين وجه ظاهر.
فيؤول معنى الآية إلى أن الله - أقسم لذلك - تاب ورجع برحمته رجوعا إلى النبي والمهاجرين والأنصار والثلاثة الذين خلفوا فأما توبته ورجوعه بالرحمة على المهاجرين والأنصار فإنهم اتبعوا النبي في ساعة العسرة وزمانها - وهو أيام مسيرهم إلى تبوك - اتبعوه من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ويميل عن الحق بترك الخروج أو ترك السير فبعد ما اتبعوه تاب الله عليهم إنه بهم لرءوف رحيم.
واما الثلاثة الذين خلفوا فإنهم آل أمرهم إلى أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ووسعت - وكان ذلك بسبب ان الناس لم يعاشروهم ولا كلموهم حتى أهلهم فلم يجدوا انيسا يأنسون به - وضاقت عليهم أنفسهم - من دوام الغم عليهم - و أيقنوا ان لا ملجأ من الله إلا إليه بالتوبة والإنابة فلما كان ذلك كله تاب الله عليهم وانعطف ورجع برحمته إليهم ليتوبوا إليه فيقبل توبتهم إنه هو التواب - كثير الرجوع إلى عباده يرجع إليهم بالهداية والتوفيق للتوبة إليه ثم بقبول تلك التوبة - والرحيم بالمؤمنين.
وقد تبين بذلك كله اولا: أن المراد بالتوبة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم محض الرجوع