والمؤمنين بايعين، وأنفسهم وأموالهم سلعة ومبيعا، والجنة ثمنا، والتوراة والإنجيل والقرآن سندا للمبايعة، وهو من لطيف التمثيل ثم يبشر المؤمنين ببيعهم ذلك، ويهنئهم بالفوز العظيم.
قوله تعالى: (التائبون العابدون الحامدون السائحون) إلى آخر الآية، يصف سبحانه المؤمنين بأجمل صفاتهم، والصفات مرفوعة بالقطع أي المؤمنون هم التائبون العابدون الخ، فهم التائبون لرجوعهم من غير الله إلى الله سبحانه العابدون له ويعبدونه بألسنتهم فيحمدونه بجميل الثناء، وبأقدامهم فيسيحون ويجولون من معهد من المعاهد الدينية ومسجد من مساجد الله إلى غيره، و بأبدانهم فيركعون له ويسجدون له.
هذا شأنهم بالنسبة إلى حال الانفراد وأما بالنسبة إلى حال الاجتماع فهم آمرون بالمعروف في السنة الدينية وناهون عن المنكر فيها ثم هم حافظون لحدود الله لا يتعدونه في حالتي انفرادهم واجتماعهم خلوتهم وجلوتهم، ثم يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يبشرهم وقد بشرهم تعالى نفسه في الآية السابقة، وفيه من كمال التأكيد ما لا يقدر قدره.
وقد ظهر بما قررنا أولا: وجه الترتيب بين الأوصاف التي عدها لهم فقد بدء بأوصافهم منفردين وهى التوبة والعبادة والسياحة والركوع والسجود ثم ذكر ما لهم من الوصف الخاص بهم المنبعث عن ايمانهم مجتمعين وهو الامر بالمعروف والنهى عن المنكر وختم بما لهم من جميل الوصف في حالتي انفرادهم واجتماعهم وهو حفظهم لحدود الله، وفي التعبير بالحفظ مضافا إلى الدلالة على عدم التعدي دلالة على الرقوب والاهتمام.
وثانيا: أن المراد بالسياحة ومعناه السير في الأرض - على ما هو الأنسب بسياق الترتيب هو السير إلى مساكن ذكر الله وعبادته كالمساجد، وأما القول بأن المراد بالسياحة الصيام أو السياحة في الأرض للاعتبار بعجائب قدرة الله وما جرى على الأمم الماضية مما تحكيه ديارهم وآثارهم أو المسافرة لطلب العلم أو المسافرة لطلب الحديث خاصة فهى وجوه غير سديدة.
أما الأول: فلا دليل عليه من جهة اللفظ البتة، وأما الوجوه الاخر فإنها وإن كانت ربما استفيد الندب من مثل قوله تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) المؤمن: 82، وقوله: (فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) الآية 122 من السورة إلا أن إرادتها من قوله: