مساواة الاجزاء في المكان خلاف النبوة الذي هو منافاة الاجزاء. انتهى فمعنى قوله:
باء بغضب من الله أي رجع ومعه غضب من الله.
فمعنى الآيتين: يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا لقاء زحف أو زاحفين للقتال فلا تفروا منهم ومن يفر منهم يومئذ أي وقتئذ فقد رجع ومعه غضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير إلا أن يكون فراره للتحرف لقتال أو التحيز إلى فئة فلا بأس به.
قوله تعالى: (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) إلى آخر الآية التدبر في السياق لا يدع شكا في أن الآية تشير إلى وقعة بدر وما صنعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من رميهم بكف من الحصا، والمؤمنون بوضع السيف فيهم وقتلهم القتل الذريع، وذيل الآية أعني قوله: وليبلى المؤمنين منه بلاء حسنا يدل على أن الكلام جار مجرى الامتنان منه تعالى، وقد أثبت تعالى عين ما نفاه في جملة واحدة أعني قوله: (وما رميت إذ رميت).
فمن جميع هذه الشواهد يتحصل أن المراد بقوله: (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) نفى أن تكون وقعة بدر وما ظهر فيها من استئصال المشركين والظهور عليهم والظفر بهم جارية على مجرى العادة والمعروف من نواميس الطبيعة، وكيف يسع لقوم هم شرذمة قليلون ما فيهم على ما روى الا فرس أو فرسان وبضعة أدرع وبضعة سيوف، أن يستأصلوا جيشا مجهزا بالأفراس والأسلحة والرجال والزاد والراحلة، هم أضعافهم عدة ولا يقاسون بهم قوة وشدة، وأسباب الغلبة عندهم، وعوامل البأس معهم، والموقف المناسب للتقدم لهم.
إلا ان الله سبحانه بما أنزل من الملائكة ثبت أقدام المؤمنين وأرعب قلوب المشركين، وألقى الهزيمة بما رماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الحصاة عليهم فشملهم المؤمنين قتلا وأسرا فبطل بذلك كيدهم وخمدت أنفاسهم وسكنت أجراسهم.
فبالحري أن ينسب ما وقع عليهم من القتل بأيدي المؤمنين والرمي الذي شتت شملهم وألقى الهزيمة فيهم إليه سبحانه دون المؤمنين.
فما في الآية من النفي جار مجرى الدعوى بنوع من العناية، بالنظر إلى استناد