وأنتم تسمعون ما يلقيه إليكم من الدعوة الحقة وما يأمركم به وينهاكم عنه مما فيه صلاح دينك ودنياكم. ومصب الكلام أوامره الحربية وإن كان لفظه أعم.
قوله تعالى: (ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون) المعنى ظاهر وفيه نوع تعريض للمشركين إذ قالوا: سمعنا، وهو لا يسمعون، وقد حكى الله عنهم ذلك إذ قال بعد عدة آيات: (وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا) الأنفال: 31، لكنهم كذبوا ولم يسمعوا ولو سمعوا لاستجابوا كما قال الله تعالى: (ولهم آذان لا يسمعون بها) الأعراف: 179، وقال تعالى حكاية عن أصحاب السعير (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير) الملك: 10 فالمراد بالسمع في الآية الأولى تلقى الكلام الحق الذي هو صوت من طريق الاذن، وفى الآية الثانية الانقياد لما يتضمنه الكلام الحق المسموع.
والآيتان - كما ترى - خطاب متعلق بالمؤمنين متصل نوع اتصال بالآية السابقة عليهما وتعريض للمشركين، فهو تعالى لما التفت إلى المشركين فذمهم وتهكم عليهم بسؤالهم الفتح، وذكر لهم ان الغلبة دائما لكلمة الايمان على كلمة الكفر ولدعوة الحق على دعوة الباطل، التفت إلى حزبه وهم المؤمنون فأمرهم بالطاعة له ولرسوله، وحذرهم عن التولي عنه بعد استماع كلمة الحق، وأن يكونوا كأولئك إذ قالوا: سمعنا وهم لا يسمعون.
ومن الممكن ان يكون في الآية إشارة إلى عدة من أهل مكة آمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولما تخلص قلوبهم من الشك خرجوا مع المشركين إلى بدر لحرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فابتلوا بما ابتلى به مشركوا قريش، فقد ورد في الخبر: ان فئة من قريش أسلموا بمكة واحتبسهم آباؤهم فخرجوا مع قريش، يوم بدر، وهم قيس بن الوليد بن المغيرة، وعلي بن أمية بن خلف، والعاص بن منبه بن الحجاج، والحارث بن زمعة، وقيس بن الفاكه بن المغيرة ولما رأوا قلة المسلمين قالوا: مساكين هؤلاء غرهم دينهم، وسيذكرهم الله بعد عدة آيات بقوله: (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم) الآية).
وربما قيل: ان المراد بالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون هم أهل الكتاب من يهود قريظة والنضير. وهو بعيد.