لأجله الحياة ويرتاح إليه الانسان ولا يزال يفر من الجهل وافتقاد حرية الإرادة والاختيار وقد جهز الانسان وهو أحد الموجودات الحية بما يحفظ به حياته الروحية التي هي حقيقة وجوده كما جهز كل نوع من أنواع الخليقة بما يحفظ به وجوده وبقاءه.
وهذا الجهاز الانساني يشخص له خيراته ومنافعه، ويحذره من مواطن الشر والضر.
وإذ كان هذه الهداية الإلهية التي يسوق النوع الانسان إلى نحو سعادته وخيره ويندبه نحو منافع وجوده هداية بحسب التكوين وفي طور الخلقة، ومن المحال ان يقع خطأ في التكوين، كان من الحتم الضروري ان يدرك الانسان سعادة وجوده إدراكا لا يقع فيه شك كما أن سائر الأنواع المخلوقة تسير إلى ما فيه خير وجوده ومنافع شخصه من غير أن يسهو فيه من حيث فطرته، وإنما يقع الخبط فيما يقع من جهة تأثير عوامل وأسباب أخر مضادة تؤثر فيه اثرا مخالفا ينحرف فيه الشئ عما هو خير له إلى ما هو شر، وعما فيه نفعه إلى ما فيه ضرر يعود إليه، وذلك كالجسم الثقيل الأرضي الذي يستقر بحسب الطبيعة الأرضية على بسيط الأرض ثم انه يبتعد عن الأرض بالحركة إلى جهة العلو بدفع دافع يجبره على خلاف الطبع فإذا بطل أثر الدفع عاد إلى مستقره بالحركة نحو الأرض على الاستقامة إلا ان يمنعه مانع فيخرجه عن السير الاستقامي إلى انحراف واعوجاع.
وهذا هو الذي يصر عليه القرآن الكريم ان الانسان لا يخفى عليه ما فيه سعادته في الحياة من علم وعمل، وأنه يدرك بفطرته ما هو حق الاعتقاد والعمل قال تعالى: (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) الروم: 30، وقال تعالى: (الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى - إلى أن قال - فذكر ان نفعت الذكرى سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى) الاعلى: 11، وقال تعالى: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) الشمس: 10.
نعم ربما أخطأ الانسان طريق الحق في اعتقاد أو عمل وخبط في مشيته لكن لا لان الفطرة الانسانية والهداية الإلهية أوقعته في ضلالة وأوردته في تهلكة بل لأنه أغفل عقله ونسى رشده واتبع هوى نفسه وما زينه جنود الشياطين في عينه، قال