ويمكن ان يفهم من قوله: (وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) الإحاطة بالفعل دون الإحاطة الاستقبالية كما تهدى إليه الآيات الدالة على تجسم الأعمال.
قوله تعالى: (إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك سيئة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل) المراد بالحسنة والسيئة بقرينة السياق ما تتعقبه الحروب والمغازي لأهلها من حسنة الفتح والظفر والغنيمة والسبي، ومن سيئة القتل والجرح والهزيمة.
وقوله: (يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل) كناية عن الاحتراز عن الشر قبل وقوعه كأن أمرهم كان خارجا من أيديهم فأخذوه وقبضوا وتسلطوا عليه فلم يدعوه يفسد ويضيع.
فمعنى الآية أن هؤلاء المنافقين هواهم عليك: إن غنمت وظفرت في وجهك هذا ساءهم ذلك، وإن قتلت أو جرحت أو أصبت بأي مصيبة أخرى قالوا قد احترزنا عن الشر من قبل وتولوا وهم فرحون.
وقد أجاب الله سبحانه عن ذلك بجوابين اثنين في آيتين: قوله: (قل لن يصيبنا) الخ وقوله: (قل هل تربصون) الخ.
قوله تعالى: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون) محصله أن ولاية أمرنا إنما هي لله سبحانه فحسب - على ما يدل عليه قوله: (هو مولانا) من الحصر - لا إلى أنفسنا ولا إلى شئ من هذه الأسباب الظاهرة، بل حقيقة الامر لله وحده وقد كتب كتابة حتم ما سيصيبنا من خير أو شر أو حسنة أو سيئة، وإذا كان كذلك فعلينا امتثال امره والسعي لاحياء امره والجهاد في سبيله ولله المشية فيما يصيبنا في ذلك من حسنة أو سيئة فما على العبيد إلا ترك التدبير وامتثال الامر وهو التوكل.
وبذلك يظهر: ان المراد بقوله: (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) ليس كلاما مستأنفا بل معطوف على ما قبله متمم له، والمعنى ان ولاية أمرنا لله ونحن مؤمنون به، ولازمه ان نتوكل عليه ونرجع الامر إليه من غير أن نختار لأنفسنا شيئا من الحسنة والسيئة فلو أصابتنا حسنة كان المن له وإن أصابتنا سيئة كانت المشية والخيرة له، ولا لوم علينا ولا شماتة تتعلق بنا، ولا حزن ولا مساءة يطرء على قلوبنا.