وانهما كهم في الشهوات على حد المترفين من الملوك والرؤساء المسرفين من أقوياء الأمم.
وإنما غرض الدين في ذلك أن يظهر دين الحق وسنة العدل وكلمة التقوى على الباطل والظلم والفسق فلا يعترضها في مسيرها اللعب والهوى فتسلم التربية الصالحة المصلحة من مزاحمة التربية الفاسدة المفسدة حتى لا ينجر إلى أن تجذب هذه إلى جانب، وتلك إلى جانب، فيتشوش أمر النظام الانساني إلا ان لا يرتضى واحد أو جماعة التربية الاسلامية لنفسه أو لأنفسهم فيكونون أحرارا فيما يرتضونه لأنفسهم من تربية دينهم الخاصة على شرط ان يكونوا على شئ من دين التوحيد، وهو اليهودية أو النصرانية أو المجوسية، وأن لا يتظاهروا بالمزاحمة، وهذا غاية العدل والنصفة من دين الحق الظاهر على غيره.
وأما الجزية فهى عطية مالية مأخوذة منهم مصروفة في حفظ ذمتهم وحسن إدارتهم ولا غنى عن مثلها لحكومة قائمة على ساقها حقة أو باطلة.
ومن هذا البيان يظهر أن المراد بهذه المحرمات: المحرمات الاسلامية التي عزم الله أن لا تشيع في المجتمع الاسلامي العالمي كما أن المراد بدين الحق هو الذي يعزم ان يكون هو المتبع في المجتمع.
ولازم ذلك أن يكون المراد بالمحرمات: المحرمات التي حرمها الله ورسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم الصادع بالدعوة الاسلامية، وأن يكون الأوصاف الثلاثة: (الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر) الآية في معنى التعليل تفيد حكمة الامر بقتال أهل الكتاب.
وبذلك كله يظهر فساد ما أورد على هذا الوجه أنه لا يعقل ان يحرم أهل الكتاب على أنفسهم ما حرم الله ورسوله علينا إلا إذا أسلموا، وإنما الكلام في أهل الكتاب لا في المسلمين العاصين.
وجه الفساد أنه ليس من الواجب ان يكون الغرض من قتالهم ان يحرموا ما حرم الاسلام وهم أهل الكتاب بل أن لا يظهر في الناس التبرز بالمحرمات من غير مانع يمنع شيوعها والاسترسال فيها كشرب الخمر وأكل لحم الخنزير وأكل المال بالباطل على سبيل العلن بل يقاتلون ليدخلوا في الذمة فلا يتظاهروا بالفساد، ويحتبس الشر فيما بينهم أنفسهم.
ولعله إلى ذلك الإشارة بقوله: (وهم صاغرون) على ما سيجئ في الكلام على ذيل الآية.