منهم من ينكر القول بالوهية الله سبحانه أو ينكر المعاد فإنهم قائلون بذلك على ما يحكيه عنهم القرآن وان كانت التوراة الحاضرة اليوم لا خبر فيها عن المعاد أصلا.
ثم وصفهم ثانيا بقوله: (ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله) وذلك كقول اليهود بإباحة أشياء عدها وذكرها لهم القرآن في سورتي البقرة والنساء وغيرهما وقول النصارى بإباحة الخمر ولحم الخنزير، وقد ثبت تحريمهما في شرائع موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام وأكلهم أموال الناس بالباطل كما سينسبه إليهم في الآية الآتية:
(إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل).
والمراد بالرسول في قوله: (ما حرم الله ورسوله) اما رسول أنفسهم الذي قالوا بنبوته كموسى عليه السلام بالنسبة إلى اليهود وعيسى عليه السلام بالنسبة إلى النصارى فالمعنى لا يحرم كل أمة منهم ما حرمه عليهم رسولهم الذي قالوا بنبوته، واعترفوا بحقانيته وفي ذلك نهاية التجرى على الله ورسوله واللعب بالحق والحقيقة.
وإما النبي محمد صلى لله عليه وآله وسلم الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم.
ويكون حينئذ توصيفهم بعدم تحريمهم ما حرم الله ورسوله بغرض تأنيبهم والطعن فيهم ولبعث المؤمنين وتهييجهم على قتالهم لعدم اعتنائهم بما حرمه الله ورسوله في شرعهم واسترسالهم في الوقوع في محارم الله وهتك حرماته.
وربما أيد هذا الاحتمال أن لو كان المراد بقوله: (ورسوله) رسول كل أمة بالنسبة إليها كموسى بالنسبة إلى اليهود وعيسى بالنسبة إلى النصارى كان من حق الكلام ان يقال:
(ولا يحرمون ما حرم الله ورسله) على ما هو دأب القرآن في نظائره للدلالة على كثرة الرسل كقوله: (ويريدون ان يفرقوا بين الله ورسله) النساء: 150، وقوله: (قالت رسلهم أفي الله شك) إبراهيم: 10، وقوله: (وجاءتهم رسلهم بالبينات) يونس: 13.
على أن النصارى رفضوا محرمات التوراة الإنجيل فلم يحرموا ما حرم موسى وعيسى (ع)، وليس من حق الكلام في مورد هذا شأنه: أنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله.
على أن المتدبر في المقاصد العامة الاسلامية لا يشك في أن قتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية ليس لغرض تمتع أولياء الاسلام ولا المسلمين من متاع الحياة الدنيا واسترسالهم