الشريفة كالكتب التي ارسل بها إلى الملوك والأمم والأقوام في الدعوة إلى الاسلام وكذا سائر الرسالات التي كان يبعث بها رجالا من المؤمنين إلى الناس في أمور يرجع إلى دينهم والامارات والولايات ونحو ذلك.
ففرق جلى بين هذه الأمور وبين براءة ونظائرها فان ما تتضمنه آيات براءة وأمثال النهى عن الطواف عريانا، والنهى عن حج المشركين بعد العام أحكام إلهية ابتدائية لم تبلغ بعد ولم تؤد إلى من يجب ان تبلغه، وهم المشركون بمكة والحجاج منهم، ولا رسالة من الله في ذلك إلا لرسوله، وأما سائر الموارد التي كان يكتفى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ببعث الرسل للتبليغ فقد كانت مما فرغ (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها من أصل التبليغ والتأدية، بتبليغه من وسعه تبليغه ممن حضر كالدعوة إلى الاسلام وسائر شرائع الدين وكان يقول: (ليبلغ الشاهد منكم الغائب) ثم إذا مست الحاجة إلى تبليغه بعض من لا وثوق عادة ببلوغ الحكم إليه أو لا أثر لمجرد البلوغ إلا ان يعتنى لشانه بكتاب أو رسول أو توسل عند ذلك إلى رسالة أو كتاب كما في دعوة الملوك.
وليتأمل الباحث المنصف قوله: (لا يؤدى عنك إلا أنت أو رجل منك) فقد قيل: (لا يؤدى عنك إلا أنت) ولم يقل: (لا يؤدى إلا أنت أو رجل منك) حتى يفيد اشتراك الرسالة، ولم يقل: (لا يؤدى منك إلا رجل منك) حتى يشمل سائر الرسالات التي كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يقلدها كل من كان من صالحي المؤمنين فإنما مفاد قوله: (لا يؤدى عنك إلا أنت أو رجل منك) أن الأمور الرسالية التي يجب عليك نفسك ان تقوم بها لا يقوم بها غيرك عوضا منك إلا رجل منك أي لا يخلفك فيما عليك كالتأدية الابتدائية إلا رجل منك.
ثم ليت شعري ما الذي دعاهم إلى أن أهملوا كلمة الوحي التي هي قول الله نزل به جبرئيل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا يؤدى عنك إلا أنت أو رجل منك وذكروا مكانها أنه (كانت السنة الجارية عند العرب ان لا ينقض العهد إلا عاقده أو رجل من أهل بيته) تلك السنة العربية التي لا خبر عنها في ايامهم ومغازيهم ولا أثر إلا ما ذكره ابن كثير ونسبه إلى العلماء عند البحث عن آيات براءة.!
ثم لو كانت سنة عربية جاهلية على هذا النعت فما وزنها في الاسلام وما هي قيمتها عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد كان ينسخ كل يوم سنة جاهلية وينقض كل حين عادة قومية، ولم تكن من جملة الأخلاق الكريمة أو السنن والعادات النافعة بل سليقة قبائلية تشبه