وفي تفسير المنار عن الترمذي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث أبا بكر - إلى أن قال - فقام على أيام التشريق فنادى: ذمة الله وذمة رسوله كل مشرك فسيحوا في الأرض أربعة أشهر، ولا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا كل مؤمن فكان على ينادى بها فإذا بح قام أبو هريرة فنادى بها.
وفيه أيضا عن أحمد والنسائي - من طريق محرز بن أبى هريرة عن أبيه قال: كنت مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة ببراءة فكنا ننادي ان لا يدخل الجنة إلا كل نفس مسلمة، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهد فعهده إلى مدته، ولا يحج بعد العام مشرك فكنت انادى حتى صحل صوتي.
أقول: قد عرفت أن الذي وقع في الروايات على كثرتها في قصة بعث على وعزل أبى بكر من كلمة الوحي الذي نزل به جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو قوله:
(لا يؤدى عنك إلا أنت أو رجل منك) وكذا ما ذكره النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين أجاب أبا بكر لما سأله عن سبب عزله، إنما هو متن ما أوحى إليه الله سبحانه، أو قوله - وهو في معناه -: (لا يؤدى عنى إلا انا أو رجل منى).
وكيفما كان فهو كلام مطلق يشمل تأدية براءة وكل حكم إلهي احتاج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن يؤديه عنه مؤد غيره، ولا دليل لا من متون الروايات ولا غيرها يدل على اختصاص ذلك ببراءة، وقد اتضح ان المنع عن طواف البيت عريانا والمنع عن حج المشركين بعد ذلك العام وكذا تأجيل من له عهد إلى مدة أو من غير مدة كل ذلك أحكام إلهية نزل بها القرآن فما معنى ارجاع أمرها إلى أبى بكر أو نداء أبى هريرة بها وحده أو ندائه ببراءة وسائر الأحكام المذكورة في الجمع إذا بح علي عليه السلام حتى يصحل صوته من كثرة النداء؟ ولو جاز لأبي هريرة ان يقوم بها والحال هذه فلم لم يجز لأبي بكر ذلك؟
نعم أبدع بعض المفسرين كابن كثير وأترابه هنا وجها وجهوا به ما تتضمنه هذه الروايات انتصارا لها وهو ان قوله: (لا يؤدى عنى إلا انا أو رجل منى) مخصوص بتأدية براءة فقط من غير أن يشمل سائر الأحكام التي كان ينادى بها علي عليه السلام، وأن تعيينه صلى الله عليه وآله وسلم عليا بتبليغ آيات براءة أهل الجمع إنما هو لما كان من عادة العرب أن لا ينقض العهد إلا عاقده أو رجل من أهل بيته ومراعاة هذه العادة الجارية هي