أن لا يخشوا إلا إياه ان كانوا مؤمنين به ففي ذلك تقوية لقلوبهم وتشجيعهم عليهم، وينتهى إلى بيان أنهم ممتحنون من عند الله باخلاص الايمان له والقطع من المشركين حتى يؤجروا بما يؤجر به المؤمن المتحقق في ايمانه.
قوله تعالى: (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم) إلى آخر الآيتين. أعاد الامر بالقتال لأنه صار من جهة ما تقدم من التحريض والتحضيض أوقع في القبول فان الامر الأول كان ابتدائيا غير مسبوق بتمهيد وتوطئة بخلاف الامر الثاني الوارد بعد اشتداد الاستعداد وكمال التهيؤ من المأمورين.
على أن ما أتبع به الامر من قوله: (يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم) إلى قوله:
(ويذهب غيظ قلوبهم) يؤكد الامر ويغري المأمورين على امتثاله وإجرائه على المشركين فان تذكرهم أن قتل المشركين عذاب إلهي لهم بأيدي المؤمنين، وأن المؤمنين أياد مجرية لله سبحانه وأن في ذلك خزيا للمشركين ونصرة من الله للمؤمنين عليهم وشفاء لصدور قوم مؤمنين وإذهابا لغيظ قلوبهم، يجرئهم للعمل وينشطهم ويصفى إرادتهم.
وقوله: (ويتوب الله على من يشاء) الآية بمنزلة الاستثناء لئلا يجرى حكم القتال على إطلاقه.
قوله تعالى: (أم حسبتم ان تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم) إلى آخر الآية بمنزلة تعليل آخر لوجوب قتالهم لينتج تحريضهم على القتال وفيه بيان حقيقة الامر، ومحصله أن الدار دار الامتحان والابتلاء فان نفوس الآدميين تقبل الخير والشر والسعادة والشقاوة فهى في أول كينونتها ساذجة مبهمة، ومراتب القرب والزلفى إنما تبذل بإزاء الايمان الخالص بالله وآياته، ولا يظهر صفاء الايمان إلا بالامتحان الذي يورد المؤمن مقام العمل، ليميز الله بذلك الطيب من الخبيث، والصافي الايمان ممن ليس عنده إلا مجرد الدعوى أو المزعمة.
فمن الواجب أن يمتحن هؤلاء المدعون أنهم باعوا أنفسهم وأموالهم لله بان لهم الجنة، ويبتلوا بمثل القتال الذي يميز به الصادق من الكاذب ويفصل الذي قطع روابط المحبة والصلة من أعداء الله سبحانه ممن في قلبه بقايا من ولايتهم ومودتهم حتى يحيى هؤلاء ويهلك أولئك.