التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج ٢ - الصفحة ٤٥٣
عليه، وكانوا يسخرون منه، ويقولون: سفينة يتخذ في البر.
وفي الاكمال: عنه وأما إبطاء نوح عليه السلام فإنه لما استنزل العقوبة على قومه من السماء بعث الله تعالى جبرئيل الروح الأمين معه سبع نوايات فقال: يا نبي الله إن الله تعالى يقول لك: إن هؤلاء خلائقي وعبادي لست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلا بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجة فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك فإني مثيبك عليه، وأغرس: هذا النوى فإن لك في نباتها وبلوغها وادراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص، فبشر بذلك من اتبعك من المؤمنين، فلما نبتت الأشجار وتأزرت وتسوقت واغتصنت وزهى التمر عليها بعد زمان طويل استنجز من الله العدة فأمره الله تعالى أن يغرس نوى تلك الأشجار ويعاود الصبر والاجتهاد، ويؤكد الحجة على قومه فأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به، فارتد منهم ثلاثمأة رجل، وقالوا لو كان ما يدعيه نوح عليه السلام حقا لما وقع في وعد ربه خلف، ثم إن الله تعالى لم يزل يأمره عند كل مرة بأن يغرسها تارة بعد أخرى إلى أن غرسها سبع مرات، فما زالت تلك الطوائف من المؤمنين ترتد منهم طائفة بعد طائفة إلى أن عاد إلى نيف وسبعين رجلا فأوحى الله إليه عند ذلك وقال: يا نوح الآن أسفر الصبح عن الليل، لنعينك حين صرح الحق عن محضه، وصفا من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة فلو أني أهلكت الكفار وأبقيت من قد ارتد من الطوائف التي كانت آمنت بك لما كنت صدقت وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا التوحيد من قومك، واعتصموا بحبل نبوتك بأني أستخلفهم في الأرض، وأمكن لهم دينهم، وأبدلهم خوفهم بالأمن، لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشرك من قلوبهم، وكيف يكون الاستخلاف والتمكين وبذل الامن مني لهم مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدوا وخبث طينتهم وسوء سرائرهم التي كانت نتائج النفاق وسنوخ الضلالة، فلو أنهم تنسموا من الملك الذي أوتي المؤمنين وقت الاستخلاف إذ أهلكت أعداؤهم لنشقوا روايح صفاته ولاستحكمت مراير نفاقهم وثارت خبال ضلالة قلوبهم، ولكاشفوا إخوانهم بالعداوة، وحاربوهم على طلب الرياسة، والتفرد بالأمر والنهي، وكيف يكون التمكين في
(٤٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 448 449 450 451 452 453 454 455 456 457 458 ... » »»
الفهرست