التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج ٢ - الصفحة ٤٢٥
التائب من الذنب، وقد كان عبدي يونس ورسولي سألني نزول العذاب على قومه وقد أنزلته عليهم وأنا الله أحق من وفى بعده وقد أنزلته عليهم ولم يكن اشترط يونس حين سألني أن أنزل عليهم العذاب أن أهلكهم فاهبط إليهم فاصرف عنهم ما قد نزل بهم من عذابي فقال إسرافيل: يا رب إن عذابك قد بلغ أكنافهم (1) وكاد أن يهلكهم وما أراه إلا وقد نزل بساحتهم فإلى أين أصرفه فقال الله كلا إني قد أمرت ملائكتي أن يصرفوه ولا ينزلوه عليهم حتى يأتيهم أمري فيهم، وعزيمتي فاهبط يا إسرافيل عليهم واصرف عنهم، واصرف به إلى الجبال وناحية مفاض العيون، ومجاري السيول في الجبال العاتية العادية المستطيلة على الجبال فأذلها به ولينها حتى تصير ملتئمة حديدا جامدا فهبط إسرافيل ونشر أجنحته فاستاق بها ذلك العذاب حتى ضرب بها تلك الجبال التي أوحى الله إليه أن يصرفه إليها، قال أبو جعفر عليه السلام: وهي الجبال التي بناحية الموصل اليوم فصارت حديدا إلى يوم القيامة، فلما رآى قوم يونس أن العذاب قد صرف عنهم هبطوا إلى منازلهم من رؤوس الجبال وضموا إليهم نساءهم، وأولادهم وأموالهم وحمدوا الله على ما صرف عنهم، وأصبح يونس وتنوخا يوم الخميس في موضعهما الذي كانا فيه لا يشكان أن العذاب قد نزل بهم وأهلكهم جميعا لما خفيت أصواتهم عنهما، فأقبلا ناحية القرية يوم الخميس مع طلوع الشمس ينظران إلى ما صار إليه القوم، فلما دنوا من القوم واستقبلهم الحطابون والحمارة (2) والرعاة بأعناقهم ونظروا إلى أهل القرية مطمئنين، قال يونس لتنوخا: يا تنوخا كذبني الوحي وكذبت وعدي لقومي لا وعزة ربي لا يرون لي وجها أبدا بعد ما كذبني الوحي فانطلق يونس هاربا على وجهه مغاضبا لربه ناحية بحر أيلة متنكرا (3) فرارا من أن يراه أحد من قومه فيقول له: يا كذاب فلذلك قال الله: (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه)، الآية ورجع تنوخا إلى القرية فلقى روبيل، فقال له: يا تنوخا أي الرأيين كان أصوب وأحق أرأيي أو رأيك؟ فقال له تنوخا: بل رأيك كان أصوب

1 - في كنف الله محركة في حرزه وستره وهو الجانب والظل والناحية كالكنفة محركة. 2 - الحمارة كجبانة أصحاب الحمير كالحامرة ق. 3 - أيلة جبل بين مكة والمدينة قرب ينبع وبلد بين ينبع ومصر ق.
(٤٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 420 421 422 423 424 425 426 427 428 429 430 ... » »»
الفهرست