التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج ٢ - الصفحة ٤٢٤
أنت مشير به علينا يا روبيل؟ فإنك رجل عالم حكيم لم نزل نعرفك بالرقة علينا والرحمة لنا، وقد بلغنا ما أشرت به على يونس فمرنا بأمرك وأشر علينا برأيك، فقال لهم روبيل:
فإني أرى لكم وأشير عليكم أن تنظروا وتعمدوا إذا طلع الفجر يوم الأربعاء في وسط الشهر أن تعزلوا الأطفال عن الأمهات في أسفل الجبل في طريق الأودية، وتقفوا النساء في سفح الجبل، ويكون هذا كله قبل طلوع الشمس فعجوا عجيج الكبير منكم والصغير بالصراخ والبكاء والتضرع إلى الله والتوبة إليه والاستغفار له، وارفعوا رؤوسكم إلى السماء، وقولوا: ربنا ظلمنا وكذبنا نبيك وتبنا إليك من ذنوبنا وإن لا تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين المعذبين، فاقبل توبتنا وارحمنا يا أرحم الراحمين، ثم لا تملوا من البكاء والصراخ والتضرع إلى الله، والتوبة إليه حتى توارى الشمس بالحجاب أو يكشف الله عنكم العذاب قبل ذلك، فأجمع رأي القوم جميعا على أن يفعلوا ما أشار به عليهم روبيل، فلما كان يوم الأربعاء الذي توقعوا العذاب تنحى روبيل عن القرية حيث يسمع صراخهم ويرى العذاب إذا أنزل، فلما طلع الفجر يوم الأربعاء فعل قوم يونس ما أمرهم روبيل به فلما بزغت الشمس أقبلت ريح صفراء مظلمة مسرعة لها صرير وحفيف (1) فلما رأوها عجوا جميعا بالصراخ والبكاء والتضرع إلى الله وتابوا إليه واستغفروه، وصرخت الأطفال بأصواتها تطلب أمهاتها، وعجت سخال البهائم تطلب الثدي، وسعت الانعام تطلب الرعا فلم يزالوا بذلك، ويونس وتنوخا يسمعان صيحتهم وصراخهم ويدعوان الله بتغليظ العذاب عليهم، وروبيل في موضعه يسمع صراخهم وعجيجهم ويرى ما نزل وهو يدعو الله بكشف العذاب عنهم، فلما أن زالت الشمس وفتحت أبواب السماء وسكن غضب الرب تعالى رحمهم الرحمن، فاستجاب دعاءهم، وقبل توبتهم، وأقالهم عثرتهم، وأوحى إلى إسرافيل أن اهبط إلى قوم يونس فإنهم قد عجوا إلى بالبكاء والتضرع وتابوا إلي واستغفروني فرحمتهم وتبت عليهم وأنا الله التواب الرحيم، أسرع إلى قبول توبة عبدي

1 - حف الفرس حفيفا عند ركضه صوت والأفعى فح فحيحا الا ان الحفيف من جلدها والفحيح من فيها وكذلك الطاير والشجر إذا صوتت ق.
(٤٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 419 420 421 422 423 424 425 426 427 428 429 ... » »»
الفهرست