التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج ٢ - الصفحة ٢٥١
أصلابهم نسلهم على ما يتوالدون قرنا بعد قرن، يعني نثر حقايقهم بين يدي علمه فاستنطق الحقايق بأسنة قابليات جواهرها وألسن استعدادات ذواتها. وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا: أي ونصب لهم دلائل ربوبيته وركب في عقولهم ما يدعوهم إلى الإقرار بها حتى صاروا بمنزلة الأشهاد على طريقة التمثيل، نظير ذلك قوله عز وجل: (إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) وقوله جل وعلا: (فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) ومعلوم أنه لا قول ثمة وإنما هو تمثيل وتصوير للمعنى وذلك حين كانت أنفسهم في أصلاب آبائهم العقلية، ومعادنهم الأصلية يعني شاهدهم وهم دقايق في تلك الحقايق، وعبر عن تلك الآباء بالظهور لأن كل واحد منهم ظهر أو مظهر لطائفة من النفوس أو ظاهر عنده لكونه صورة عقلية نورية ظاهرة بذاتها وأشهدهم على أنفسهم أي أعطاهم في تلك النشأة الإدراكية العقلية شهود ذواتهم العقلية، وهو يأتهم النورية فكانوا بتلك القوى العقلية يسمعون خطاب (ألست بربكم) كما يسمعون الخطاب في دار الدنيا بهذه القوى البدنية وقالوا بألسنة تلك العقول بلى أنت ربنا الذي أعطيتنا وجودا قدسيا ربانيا، سمعنا كلامك وأجبنا خطابك، ولا يبعد أيضا أن يكون ذلك النطق باللسان الملكوتي في عالم المثالي الذي دون عالم العقل فإن لكل شئ ملكوتا في ذلك العالم كما أشار إليه بقوله سبحانه: (فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ) والملكوت باطن الملك، وهو كله حياة، ولكل ذرة لسان ملكوتي ناطق بالتسبيح، والتمجيد والتوحيد والتحميد وبهذا اللسان نطق الحصى في كف النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبه تنطق الأرض يوم القيامة (يومئذ تحدث أخبارها) وبه تنطق الجوارح (أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ). أن تقولوا: أي كراهة أن تقولوا، وقرء بالياء. يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين: لم ننبه عليه.
(173) أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم: فاقتدينا بهم لأن التقليد عند قيام الحجة والتمكن من العلم بها لا يصلح عذرا. أفتهلكنا بما فعل المبطلون:
يعني آباءهم المبطلين بتأسيس الشرك.
(174) وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون: عن التقليد واتباع الباطل.
(٢٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 ... » »»
الفهرست