الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٤ - الصفحة ٧١
يعودون للوطء، وظاهر قولك عاد للوطء فعله، وحمل العود على الوطء من جملة أقوال مالك رحمه الله، فقد تلخص أن كلام المختلفين في العود له مآخذ من هذه الآية العود، فأما من لم يقف وجوب الكفارة عنده إلا على مجرد الظهار فحمل على الظهار وتسميته عودا والحالة هذه باعتبار أنه كان في الجاهلية وانقطع في الإسلام فإيقاعه بعد الإسلام عود إليه، وأما من أوقفها على العود وجعل العود أن يعيد لفظ الظهار وهو قول داود فاعتبر ظاهر اللفظ، وأما من حمل العود على العزم على الوطء فرأى أن العود إلى القول الأول عود بالتدارك لا بالتكرار وتدارك بعضه ببعضه وهل نقيضه العزم على الوطء لأن الأول امتناع منه أو العزم على الإمساك، لأن العصمة تقتضى الحل وعدم الامتناع فيكفي محل خلاف، وأما من حمله على الوطء نفسه فرأى أن المراد بالقول المقول فيه، ويحمل قوله من قبل أن يتماسا: أي مرة ثانية، وقد اختلف العلماء أيضا فيما إذا قدم الوطء على الكفارة، فالمذهب المشهور للعلماء أن ذلك لا يسقط الكفارة ولا يوجب أخرى. وذهب مجاهد إلى إيجاب أخرى به. وذهبت طائفة إلى إسقاط الكفارة به أصلا ورأسا، وكأن منشأ خلافهم النظر إلى قوله - من قبل أن يتماسا - فرآه أكثر العلماء منعا من الوطء قبل التكفير حتى كأنه قال لا تماس حتى تكفر. ورأته الطائفة المسقطة للكفارة بالوطء شرطا في الوجوب، فلا جرم إذا مسها، فقد فقد الشرط الذي هو عدم التماس فسقط الوجوب، ورآه مجاهد في إيجاب الكفارة فإذا تماسا قبل الكفارة تعددت، ثم فيه نظر آخر وهو أنه ذكر عدم التماس في كفارتي العتق والصوم وأسقطه في كفارة الإطعام، فتلقى أبو حنيفة بذلك الفرق بين الإطعام وبين الأخريين حتى إنه لو وطء في حال الإطعام لم يجب عليه استئناف كفارة، بخلاف الأخريين فإن الوطء في خلال كل واحدة منهما يوجب إبطالها واستئناف أخرى، على أن أبا حنيفة سوى بين الثلاث في تحريم المساس قبل حصولها كاملة، كذا نقل الزمخشري عنه،. ولقائل أن يقول على أبي حنيفة إذا جعلت الفائدة في ذكر عدم التماس في بعضها وإسقاطه من بعضها الفرق بين أنواعها فلم صرفت الفرق إلى أحد الحكمين وهو إيجاب الاستئناف بالوطء في خلال الكفارة في بعضها دون البعض دون الحكم الآخر وهو تحريم التماس قبل الشروع في الكفارة، فما تخصيص أحد الحكمين دون الآخر إلا
(٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 ... » »»