فاعلم أنه إنما عدل عن الرفع إجماعا لسر لطيف يعين اختيار النصب، وهو أنه لو رفع لوقع الجملة التي هي خلقناه صفة لشئ، ورفع قوله بقدر خبرا عن كل شئ المقيد بالصفة، ويحصل الكلام على تقدير: إنا كل شئ مخلوق لنا بقدر، فأنهم ذلك أن مخلوقا ما يضاف إلى غير الله تعالى ليس بقدر، وعلى النصب يصير الكلام إنا خلقنا كل شئ بقدر فيفيد عموم نسبة كل مخلوق إلى الله تعالى، فلما كانت هذه الفائدة لا توازيها الفائدة اللفظية على قراءة الرفع مع ما في الرفع من نقصان المعنى ومع ما في هذه القراءة المستفيضة من مجئ المعنى تاما واضحا كفلق الصبح لا جرم أجمعوا على العدول عن الرفع إلى النصب، لكن الزمخشري لما كان من القاعدة أصحابه تقسيم المخلوقات إلى مخلوق الله ومخلوق لغير الله، فيقولون هذا لله بزعمهم وهذا لنا فغرت هذه الآية فاه وقام إجماع القراء حجة عليه، فأخذ يستروح إلى الشقاء وينقل قراءتها بالرفع فليراجع له ويعرض عليه إعراض القراء السبعة عن هذه الرواية مع أنها هي الأولى في العربية لولا ما ذكرناه أيجوز في حكمه حينئذ الإجماع على خلاف الأولى لفظا ومعنى من غير معنى اقتضى ذلك أم لا؟ وهو الخير فيما يحكم به، فإلى الله ترجع الأمور.
(٤٢)