فالقسم الأول فيها بالباء والفعل، فجعلنا الواو بعد ذلك قسما وتبعا وهو أبلغ كأنه أقسم قسمين بشيئين مختلفين.
فإن قيل: أجل إنما تكلم سيبويه على الواو المتعقبة للقسم بالواو فما الفرق بين المتعقبة للقسم بالواو والمتعقبة للقسم بالباء وما هما إلا سواء، فإن كل واحد منهما آلة له، والتاء تدل على الباء فحكمهما واحد؟ قلنا: ليستا سواء، فإن القسم متى صدر بالواو ولم يله واو أخرى فجعلها قسما آخر فيه تكرار مستكره إذ الآلة واحدة، ولا كذلك إذا اختلفت الآلة، فإن عاملة التكرار مأمونة إذا، ألا ترى أنه لو صدر القسم بالواو ثم تلاه قسم بالباء لتحتم جعلهما قسمين مستقلين، فكذلك لو خولف هذا الترتيب، وأيضا فإنه إن كان المانع لسيبويه من جعل الواو الثانية قسما مستقلا مجئ الجواب واحدا واحتياج الواو الأولى إلى محذوف فالعطف يغنى عن تقدير محذوف فيتعين فلا يلزم اطراد الباء لأنها أصل القسم لا سيما مع التصريح بفعل القسم ثم تأكيده بزيادة لا، فإن في مجموع ذلك ما يغنى عن إفراده بجواب مذكور، ولا كذلك الواو فإنها ضعيفة المسكنة في باب القسم بالنسبة إلى الباب، فلا يلزم من حذف جواب تمكنت الدلالة عليه حذف جواب دونه في الوضوح. وأختم الكلام على هذا السؤال بنكتة بديعة فأقول:
إنما خصصت إيراد السؤال بالواو الثانية في قوله - والليل إذا عسعس - دون الثالثة: لأنه غير متوجه عليها، ألا تراك لو جعلتها عاطفة لم يلزمك العطف على عاملين لأنك تجعلها نائبة عن الباء وتجعل إذا فيها منصوبة بالفعل مباشرة إذا لم يتقدم في جملة الفعل ظرف تعطف عليه إذا فتصير بمثابة قولك مررت بزيد وعمرو اليوم، فاليوم منصوب بالفعل مباشرة، وفهم من المثال أن مرورك بزيد مطلق غير مقيد بظرف، وإنما المقيد باليوم مرورك بعمرو خاصة لكن يطابق الآية فإن الظرف فيها وإن عمل فيه الفعل مباشرة فهو مقيد للقسم بالليل لا للقسم بالخنس.
قوله تعالى (إنه لقول رسول كريم) الآية، قال فيه (المراد بالرسول الكريم جبريل عليه السلام وقوله - عند ذي العرش - ليدل على عظم منزلته ومكانته، وثم إشارة إلى الظرف المذكور: يعنى عند ذي العرش الخ) قال أحمد: ما كان جبريل صلوات الله عليه يرضى منه هذا التفسير المنطوى على التقصير في حق البشير النذير عليه أفضل الصلاة والسلام، ولقد اتبع الزمخشري هواه في تمهيد أصول مذهبه الفاسد فأخطأ على الأصل والفرع جميعا،