الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٣ - الصفحة ٥٣٣
قوله تعالى (مثل الجنة التي وعد المتقون) الآية، قال فيه (هو كلام في صورة الإثبات ومعناه النفي الخ) قال أحمد، كم ذكر الناس في تأويل هذه الآية فلم أر أطلى ولا أحلى من هذه النكت التي ذكرها، لا يعوزها إلا التنبيه على أن في الكلام محذوفا لا بد من تقديره، لأنه لا معادلة بين الجنة وبين الخالدين في النار إلا على تقدير مثل ساكن فيه يقوم وزن الكلام ويتعادل كفتاه، ومن هذا النمط قوله تعالى - أجعلتهم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله - فإنه لا بد من تقدير محذوف مع الأول أو الثاني ليتعادل القسمان، وبهذا الذي قدرته في الآية ينطبق آخر الكلام على أوله، فيكون المقصود تنظير بعد التسوية بين المتمسك بالسيئة والراكب للهوى ببعد التسوية بين المنعم في الجنة والمعذب في النار على الصفات المتقابلة المذكورة في الجهتين، وهو من وادى تنظير الشئ بنفسه باعتبار حالتين: إحداهما أوضح في البيان من الأخرى، فإن المتمسك بالسنة هو المنعم في الجنة الموصوفة، والمتبع للهوى هو المعذب في النار المنعوتة، ولكن أنكر التسوية بينهما باعتبار الأعمال أولا، وأوضح ذلك بإنكار التسوية بينهما باعتبار الجزاء ثانيا
(٥٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 523 525 526 527 529 533 536 537 538 540 541 ... » »»