الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٣ - الصفحة ٥٣٨
قوله تعالى (ولا تبطلوا أعمالكم) قال فيه (معنه لا تحبطوا الطاعات بالكبائر الخ) قال أحمد: قاعدة أهل السنة مؤسسة على أن الكبائر ما دون الشرك لا تحبط حسنة مكتوبة، لأن الله لا يظلم مثقال ذرة، وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما، نعم يقولون - إن الحسنات يذهبن السيئات - كما وعد به الكريم جل وعلا.
وقاعدة المعتزلة موضوعة على أن كبيرة واحدة تحبط ما تقدمها من الحسنات ولو كانت مثل زبد البحر، لأنهم يقطعون بخلود الفاسق في النار وسلب سمة الإيمان عنه، ومتى خلد في النار لم تنفع طاعاته ولا إيمانه، فعلى هذا بنى الزمخشري كلامه وجلب الآثار التي في بعصها موافقة في الظاهر لمعتقده ولا كلام عليها جملة من غير تفصيل، لأن القاعدة المتقدمة ثابتة قطعا بأدلة اقتضت ذلك يحاشى كل معتبر في الحل والعقد عن مخالفتها، فمهما ورد من ظاهر يخالفها وجب رده إليه بوجه من التأويل، فإن كان نصا لا يقبل التأويل فالطريق في ذلك تحسين الظن بالمنقول عنه والتوريك بالغلط على النقلة، على أن الأثر المذكور عن ابن عمر هو أولى بأن يدل ظاهره لأهل السنة فتأمله.
وأما محمل الآية عند أهل الحق فعلى أن النهى عن الإخلال بشرط من شروط العمل وبركن يقتضى بطلانه من أصله، لا أنه يبطل بعد استجماعه شرائط الصحة والقبول.
(٥٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 527 529 533 536 537 538 540 541 543 544 545 ... » »»