الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٣ - الصفحة ٣٨٢
قوله تعالى (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) قال فيه: لما كان ذو اليدين يباشر أكثر أعماله بيديه غلب العمل باليدين على سائر الأعمال التي تباشر بغير اليدين حتى قيل في عمل القلب هذا مما عملت يداك. قال: ومعناه إن الوجه الذي استنكر له إبليس السجود لآدم واستنكف بسببه أنه سجود لمخلوق مع أنه دون الساجد لأن آدم من طين وإبليس من نار، فرأى للنار فضلا على الطين وزل عنه أن الله سبحانه حين أمر أعز عباده عليه وأقربهم منه وهم الملائكة أن يسجدوا لهذا البشر لم يمتنعوا ولم يذهبوا بأنفسهم إلى التكبر مع انحطاطه عن مراتبهم، فقيل له: ما منعك أن تسجد لهذا الذي هو مخلوق بيدي كما وقع لك مع أنه لاشك أن في ذلك امتثالا لأمري وإعظاما لخطابي كما فعلت الملائكة؟ فذكر له العلة التي منعته من السجود، وقيل له: ما حملك على اعتبار هذه العلة دون اعتبار أمري؟
ومثاله أن يأمر الملك وزيره أن يزور بعض سقاط الحشم فيمتنع اعتبارا لسقوطه، فيقول له: ما منعك أن تتواضع لمن لا يخفى على سقوطه؟ يريد هلا اعتبرت أمري وخطابي وتركت اعتبار سقوطه. انتهى المقصود من الآية بعد تطويل وإطناب وإكثار وإسهاب. قلت: إنما أطال القول هنا ليفر من معتقدين لأهل السنة تشتمل عليهما هذه الآية: أحدهما أن اليدين من صفات الذات أثبتهما السمع، هذا مذهب أبي الحسن والقاضي بعد إيطالهما حمل اليدين على القدرة، فإن قدرة الله تعالى واحدة واليدان مذكورتان بصيغة التثنية، وأبطلا حملهما على النعمة بأن
(٣٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 370 373 378 380 381 382 383 384 385 386 387 ... » »»