قوله تعالى (كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين) قال (فيه إن قلت: ما أول الخلق حتى يعيده كما بدأه؟ قلت: أول الخلق إيجاده عن العدم فكما أو جده أولا عن عدم يعيده ثانيا عن عدم) قلت: هذا الذي ذكره ههنا في المعاد قد عاد به إلى الحق ورجع عما قاله في سورة مريم حيث فسر الإعادة بجمع المتفرق خاصة إلا أنه كدر صفو اعترافه بالحق بتفسيره قوله - إنا كنا فاعلين - بالقدرة على الفعل، ولا يلزم على هذا من القدرة على الفعل حصوله تحويما على أن الموعود به ليس إعادة الأجسام عن عدم وإن كانت القدرة صالحة لذلك، ولكن إعادة الأجزاء على صورها مجتمعة مؤتلفة على ما تقدم له في سورة مريم، إلا أن يكون الباعث له على تفسير الفعل بالقدرة أن الله ذكر ماضيا والإعادة وقوعها مستقبل، فتعين عنده من ثم حمل الفعل على القدرة فقد قارب، ومع ذلك فالحق بقاء الفعل على ظاهره لأن الأفعال المستقبلة التي علم الله وقوعها كالماضية في التحقق، فمن ثم عبر عن المستقبل بالماضي في مواضع كثيرة من الكتاب العزيز، والغرض الإيذان بتحقيق وقوعه والله أعلم.
(٥٨٥)