الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٢ - الصفحة ٥١٨
قوله تعالى (أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا) قال (ذكر الله الإنسان النشأة الأولى ليعترف بالأخرى الخ) قال أحمد: مذهب أهل السنة أن إعادة المعدوم جائزة عقلا ثم واقعة نقلا، والمعتزلة وإن وافقت على ذلك إلا أنها تزعم أن المعدوم له ذات ثابتة في العدم يقضى عليها بأنها شئ، فليس عندهم عدم صرف ونفى محض قبل الوجود ولا بعده، فكأنهم لولا ذلك لقالوا بقول الفلاسفة الذين هم مختصرهم، ولأنكروا إعادة المعدوم كما أنكره القدماء، وعقيدة أهل السنة هي المطابقة للآية، لأنه النشأة الأولى لم يتقدمها وجود، ولأن المنشأ ابتداء لم يكن شيئا قبل ذلك، وأما النشأة الثانية فقد تقدمها وجود، وكان منشأ قبلها شيئا في زمان وجوده ثم عدم وبطلت شيئيته فظهر فرق ما بين النشأتين كما نطق به القرآن. وأما المعتزلة فإن قالوا: إن الأجسام يعدمها الله ثم يوجدها فقد قالوا الحق، لكن لا يتم على أصلهم فرق بين النشأتين لأن المعدوم فيهما كان شيئا قبل النشأة، فإن قالوا: لا تنعدم بالأجسام وإنما تتفرق ثم تجمع كما صرح به الزمخشري (1) لأنه تفطن لأن القول بأن الأجسام تنعدم ثم يوجدها الله تعالى مع القول بأن المعدوم شئ يبطل الفرق بين النشأتين ولم يطلق ذلك، وقد نطق به القرآن، فالتزم أن الأجسام لا تنعدم ليتم له الفرق بين النشأة الثانية، وإنما هي على هذا التقرير جمع وتأليف لموجود، وبين النشأة الأولى التي هي إيجاد معدوم، فتنبه لبعد غوره، ولكن هرب من القطر فوقع تحت الميزاب، فهو والحالة

(1) (قوله كما صرح الزمخشري الخ). كذا بالأصل وليس فيه جواب الشرط في قوله فإن قالوا لا تنعدم الخ، وليحرر فهما وكشفا اه‍ مصححه.
(٥١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 503 504 512 515 517 518 519 520 524 525 526 ... » »»