ولذلك قابله بالمستقيم يريد الممكن، وذلك مسبب عن دعوى الإلهية، إذا ادعاؤها لا يجوز عقلا، وأما مدعى الملكية فلا يقاس بمدعي الإلهية في الاستحالة العقلية، ويجوز في القدرة أن يجعل البشر ملكا والملك بشرا، كما يجوز أن يجعل البشر أنبياء، ويدل على هذا الجواب قوله - ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا - هذا مع أن العقل يجيزه في قدرة الله تعالى، لأن الجواهر متماثلة والمعاني القائمة ببعضها يجوز أن تقوم بكلها، فالمعاني التي بها كان الملك ملكا يجوز أن يخلقها الله تعالى للبشر وبالعكس وعدم وقوعه لا يأبى استقامته وإمكانه، والله الموفق.
قوله تعالى (وأنذر به الذي يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون) قال (الذين يخافون إما قوم آمنوا إلا أنهم مفرطون الخ) قال أحمد: وإنما كانت هذه الحال لازمة لو قيل وأنذر به الذين يحشرون، لأنه لولا الحال لعم الامر بالإنذار كل أحد والمقصود تخصيصه بالبعض، وأما وقد قيل - وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم - فهذا الكلام مستقل برأسه، ومضمونه تخصيص الإنذار المأمور به بالقوم الخائفين من البعث، إما لأنهم مقرون به، وإما لأنهم يحتاطون لأنفسهم فيحملهم الخوف على النظر المفضي إلى القين دون العتاة المصممين على الجحد، وليس كل خائف من البعث لا شفيع له، فإن الموحدين أجمعين خائفون