قوله تعالى (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون الآية) قال (أي لا أدعي ما يستبعد في العقول الخ) قال أحمد رحمه الله: هو ينبني على القاعدة المتقدمة له في تفضيل الملائكة على الأنبياء، ولعمري إن ظاهر هذه الآية يؤيده فلذلك انتهز الفرصة في الاستدلال بها. ولمخالفه أن يقول: إنما وردت الآية ردا على الكفار في قولهم - ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل عليه ملك فيكون معه نذيرا. أو يلقى إليه كنز - الآية فرد قولهم ما لهذا الرسول يأكل الطعام بأنه بشر وذلك شأن البشر، ولم يدع أنه ملك حتى يتعجب من أكله الطعام، وحينئذ لا يلزم منها تفضيل الملائكة على الأنبياء لأنه لا خلاف أن الأنبياء يأكلون الطعام وأن الملائكة ليسوا كذلك، فالتفرقة بهذا الوجه متفق عليها، ولا يوجب ذلك اتفاقا على أن الملائكة أفضل من الأنبياء، وكذلك رد قولهم أو يلقى إليه كنز بأنه لا يملك خزائن الله تعالى حتى يأتيهم بكنز منها على وفق مقترحهم ولا قال لهم ذلك حتى يقام عليه الحجة به، وهذه الآية جاء الترتيب فيها مخالفا لترتيب قوله - لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون - قال الزمخشري: لأنهم أعلى من الأنبياء، وقد أخر ههنا دعوى الملكية عن دعوى الإلهية، إذ الإلهية أجل وأعلى والملكية أدنى، ولا محل لذلك إلا التمهيد الذي أسلفته، وقد جعلت الامر في التقديم والتأخير تبعا للسياق، فقد تقتضي البلاغة في بعضه عكس ما تقتضيه في الآخر، ولم يحسن الزمخشري في قوله ليس بعد الإلهية منزلة أرفع من منزلة الملائكة، فإنه جعل الإلهية من جملة المنازل كالملكية، ومثل هذا الإطلاق لا يسوغ، والمنزلة عبارة عن المحل الذي ينزل الله فيه العبد من علو وغيره، فإطلاقها على الإلهية تحريف والله الموفق للصواب. عاد كلامه، قال (والأعمى والبصير مثل للضال والمهتدي الخ) قال أحمد: قوله أو ادعى المحال يعني المستحيل،
(٢٠)