الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٢ - الصفحة ١٩٢
قوله تعالى (عفا الله عنك لم أذنت لهم) قال (هذا كناية عن الجناية لأن العفو رادف لها الخ) قال أحمد رحمه الله: ليس له أن يفسر هذه الآية بهذا التفسير وهو بين أحد أمرين: إما أن لا يكون هو المراد، وإما أن يكون هو المراد ولكن قد أجل الله نبيه الكريم عن مخاطبته بصريح العتب وخصوصا في حق المصطفى عليه الصلاة والسلام، فالزمخشري على كلا التقديرين ذاهل عما يجب من حقه عليه الصلاة والسلام، ولقد أحسن من قال في هذه الآية:
إن من لطف الله تعالى بينه أن بدأه بالعفو قبل العتب، ولو قال له ابتداء لم أذنت لهم لتفطر قلبه عليه الصلاة والسلام، فمثل هذا الأدب يجب احتذاؤه في حق سيد البشر عليه أفضل الصلاة والسلام. عاد كلامه، قال (قوله لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله - إلى قوله - إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله الآية قال معناه: ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوك في أن يجاهدوا الخ) قال أحمد: وهذا الأدب يجب أن يقتفى مطلقا فلا يليق بالمرء أن يستأذن أخاه في أن يسدى إليه معروفا، ولا بالمضيف أن يستأذن ضيفه في أن يقدم إليه طعاما، فإن الاستئذان في أمثال هذه المواطن أمارة التكلف والتكره، وصلوات الله على خليله وسلامه لقد بلغ من كرمه وأدبه مع ضيوفه أنه كان لا يتعاطى شيئا من أسباب الهيؤ للضيافة بمرأى منهم، فلذلك مدحه الله تعالى على لسان رسول الله صلى عليه وسلم بهذه الخلة الجميلة والآداب الجليلة فقال تعالى - فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين - أي ذهب على خفاء منهم كيلا يشعروا به، والمهتم بأمر ضيفه بمرأى منه ربما يعد كالمستأذن له في الضيافة، فهذا من الآداب التي ينبغي أن يتمسك بها ذوو المرؤة وأولو الفتوة، وأشد من الاستئذان في الخروج للجهاد ونصرة الدين التثاقل عن المبادرة إليه بعد الحض عليه والمناداة وأسوأ أحوال المتثاقل، وقد دعى الناس إلى الغزاة أن يكون متمسكا بشعبة من النفاق، ونعوذ بالله من التعرض لسخطه.
(١٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 186 187 190 192 193 197 198 202 204 ... » »»