تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٤٠٧
على هذا التفسير متعلقة بالنهي عن التنابز، والثالث: أن يجعل من فسق غير مؤمن، كما تقول للمتحول عن التجارة إلى الفلاحة: بئست الحرفة الفلاحة بعد التجارة.
(اجتنبوا كثيرا من الظن) وهو أن يظن بأهل الخير سوءا، يقال: جنبه الشر إذا أبعده عنه، وحقيقته: جعله منه في جانب، فيعدى إلى مفعولين، ومطاوعته: اجتنب الشر، فتعدى إلى مفعول واحد (إن بعض الظن إثم) أي: ذنب يستحق به العقاب (ولا تجسسوا) والتجسس - بالجيم والحاء - واحد، والجيم تفعل من الجس، كما أن التلمس بمعنى التطلب من اللمس، والحاء بمعنى التعرف من الحس، ولتقاربهما قيل لمشاعر الإنسان: الحواس، بالحاء والجيم، والمراد: النهي عن تتبع عورات المسلمين ومعائبهم (ولا يغتب بعضكم بعضا) يقال: غابه واغتابه كغاله واغتاله، والغيبة من الاغتياب كالغيلة من الاغتيال، وهي ذكر السوء في الغيبة.
وسئل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الغيبة فقال: " أن تذكر أخاك بما يكره، فإن كان فيه فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته " (1).
(أيحب أحدكم) تمثيل وتصوير لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على أفظع وجه. وعن قتادة: كما تكره إن وجدت جيفة مدودة أن تأكل منها كذلك فاكره لحم أخيك وهو حي (2). و (ميتا) نصب على الحال من (لحم أخيه) أو من " الأخ "، ولما قرر سبحانه بأن أحدا منهم لا يحب أكل جيفة أخيه عقب ذلك بقوله:
(فكرهتموه) أي: فتحققت بوجوب الإقرار عليكم كراهتكم له ونفور طباعكم منه، فاكرهوا ما هو نظيره من الغيبة.

(1) أخرجه مسلم في الصحيح: ج 4 ص 2001 ح 2589، وفي مجموعة ورام: ص 95 بألفاظ متقاربة، والشهيد الثاني في كشف الريبة: ص 52.
(2) حكاه عنه الطبري في تفسيره: ج 11 ص 396.
(٤٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 402 403 404 405 406 407 408 409 410 411 412 ... » »»