إن العير أخذت طريق الساحل ونجت، فارجع بالناس إلى مكة، فقال: لا والله حتى ننحر الجزر ونشرب الخمر ببدر، فتتسامع العرب بأن محمدا - (صلى الله عليه وآله) - لم يصب العير، وأنا أغضضناه، فمضى بهم إلى بدر.
وبدر ماء كانت العرب تجتمع فيه لسوقهم يوما في السنة، ونزل جبرئيل فقال:
يا محمد - (صلى الله عليه وآله) - إن الله وعدكم * (إحدى الطائفتين) *: إما العير وإما قريشا، فاستشار النبي (صلى الله عليه وآله) أصحابه وقال: ما تقولون؟ إن القوم قد خرجوا من مكة فالعير أحب إليكم أم النفير؟ قالوا: بل العير أحب إلينا من لقاء العدو، فتغير وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: إن العير قد مضت على ساحل البحر، وهذا أبو جهل قد أقبل، فقالوا: يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو، فقام رجال من أصحابه وقالوا، ثم قام المقداد بن عمرو وقال: والله لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضى (1) وشوك الهراس (2) لخضنا (3) معك، ولا نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى: * (فاذهب أنت وربك فقتلا إنا ههنا قاعدون) * (4) ولكنا نقول: امض لما أمرك ربك فإنا معك مقاتلون ما دامت منا عين تطرف، وقام سعد بن معاذ وقال: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) امض لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله، ففرح رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله، وقال: سيروا على بركة الله وأبشروا، فإن الله وعدني * (إحدى الطائفتين) * والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم (5).