تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٢ - الصفحة ١٧
المنكر بين أظهرهم (1).
وقوله: * (لا تصيبن) * لا يخلو أن يكون جوابا للأمر، أو نهيا بعد أمر معطوفا عليه بحذف الواو، أو صفة ل‍ * (فتنة) *، فإذا كان جوابا فالمعنى: إن أصابتكم لا تصيب الظالمين * (منكم خاصة) * ولكنها تعمكم، وإنما جاز دخول النون في جواب الأمر لأن فيه معنى النهي، كما تقول: انزل عن الدابة لا تطرحك، ويجوز:
لا تطرحنك، وإذا كانت نهيا بعد أمر فكأنه قيل: واحذروا بلية أو ذنبا أو عقابا، ثم قيل: لا تتعرضوا للظلم فتصيب البلية أو العقاب أو أثر الذنب ووباله من ظلم منكم خاصة، وكذلك إذا جعلته صفة على إرادة القول كأنه قيل: * (واتقوا فتنة) * مقولا فيها: * (لا تصيبن) *، ونظيره قول الشاعر:
حتى إذا جن الظلام واختلط * جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط (2) أي: بمذق يقال فيه هذا القول، لأن فيه لون الورقة التي هي لون الذئب، ويعضده قراءة ابن مسعود: " لتصيبن " (3) على جواب القسم المحذوف، ويكون " من " للتبيين على هذا، لأن المعنى: لا تصيبنكم أو لتصيبنكم خاصة على ظلمكم، لأن الظلم أقبح منكم من سائر الناس.
وعن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية قال النبي (صلى الله عليه وآله): " من ظلم عليا مقعدي هذا بعد وفاتي فكأنما جحد نبوتي ونبوة الأنبياء قبلي "، أورده الحاكم

(١) قاله ابن عباس كما في التبيان: ج ٥ ص ١٠٣.
(٢) البيت للعجاج، يصف فيه قوما بالشح وعدم إكرامهم للضيف، وبالغ في أنهم لم يكرموه ولم يأتوا بما أتوا به إليه إلا بعد سعي ومضي جانب من الليل، ثم لم يأتوه إلا بلبن ممزوج بالماء وهو يشبه لون الذئب لأن فيه غبرة وكدورة. انظر خزانة الأدب: ج ٢ ص ١٠٩ و 112.
(3) حكاها عنه الزمخشري في كشافه: ج 2 ص 212.
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 ... » »»