تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٢ - الصفحة ١١٦
والوعيد لعابديها * (أو بدله) * بأن تجعل مكان آية عذاب آية رحمة، وتسقط ذكر الآلهة وذم عبادتها، فأمر بأن يجيب عن التبديل لأنه داخل تحت مقدور الإنسان، فأما الإتيان بقرآن آخر فغير مقدور عليه للإنسان * (ما يكون لي) * ما ينبغي لي * (أن أبدله من تلقاء نفسي) * من قبل نفسي، من غير أن يأمرني بذلك ربي * (إن أتبع إلا ما يوحى إلى) * لا آتي ولا أذر شيئا من نحو ذلك إلا متبعا لوحي الله، إن نسخت آية أو بدلت مكان أخرى تبعت ذلك، وليس إلي تبديل ولا نسخ * (إني أخاف إن عصيت ربى) * في التبديل والنسخ من عند نفسي * (عذاب يوم عظيم) *.
* (قل لو شاء الله ما تلوته عليكم) * يعني: أن تلاوته ليست إلا بمشيئة الله وإحداثه أمرا عجيبا خارقا للعادة، وهو أن يخرج رجل أمي لم يتعلم ساعة من عمره ولا نشأ في بلد فيه العلماء فيقرأ عليكم كتابا بهر بفصاحته كل كلام فصيح، مشحونا بعلوم الأصول والفروع والإخبار بما كان ويكون لا يعلمها إلا الله، وقد نشأ فيكم لم تسمعوا منه حرفا من ذلك منذ أربعين سنة * (ولا أدراكم به) * أي:
ولا أعلمكم به على لساني، وقرئ: " ولأدراكم به " (1) على إثبات الإدراء، واللام لام الابتداء، والمعنى: لو شاء الله ما تلوته أنا عليكم ولأعلمكم به على لسان غيري ولكنه خصني بهذه الكرامة * (فقد لبثت فيكم عمرا) * أي: فقد أقمت فيما بينكم ناشئا وكهلا فلم تعرفوني متعاطيا شيئا من نحوه فتتهموني باختراعه * (أفلا تعقلون) * فتعلموا أنه ليس إلا من عند الله تعالى.
* (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء

(١) وهي قراءة ابن كثير إلا عن البزي وأبي ربيعة وقنبل إلا المالكي والعطار. راجع التبيان:
ج ٥ ص ٣٥١
، والبحر المحيط لأبي حيان ج 5 ص 132.
(١١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 ... » »»