الديانة والوقوف على أن المؤمنين على الحق وهم على الباطل يحتاج إلى نظر واستدلال حتى يعلم، وأما النفاق وما فيه من الفساد فأمر دنيوي، فهو كالمحسوس المشاهد، ولأنه قد ذكر السفه فكان ذكر العلم معه أحسن.
* (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون) * (14) هذا بيان ما كانوا يعملونه مع المؤمنين، أي: إذا لقوهم أوهموهم أنهم معهم، وإذا فارقوهم إلى رؤسائهم من الكفار أو اليهود الذين أمروهم بالتكذيب قالوا: إنا على دينكم وصدقوهم ما في قلوبهم. وخلوت بفلان وخلوت إليه بمعنى انفردت معه، و * (إنا معكم) * أي: إنا مصاحبوكم وموافقوكم على دينكم، وقولهم: * (إنما نحن مستهزءون) * توكيد لقولهم: * (إنا معكم) *، لأن المعنى في * (إنا معكم) * الثبات على اليهودية، وقولهم: * (إنما نحن مستهزءون) * رد للإسلام ودفع له، لأن المستهزئ بالشئ - وهو المستخف به - منكر له ودافع، ويجوز أن يكون بدلا منه أو استئنافا.
* (الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون) * (15) معنى استهزاء الله تعالى بهم إنزال الهوان والحقارة بهم، أو إجراء أحكام المسلمين عليهم عاجلا وقد أعد لهم أليم العقاب آجلا، وسمي جزاء الاستهزاء باسمه، كقوله: * (وجزاؤا سيئة سيئة مثلها) * (1). وفي استئناف قوله: * (الله يستهزئ) * من غير حرف عطف أن الله تعالى هو الذي يتولى الاستهزاء * (بهم) * انتقاما للمؤمنين ولا يحوج المؤمنين إلى أن يعارضوهم بذلك، وقوله: