أنه سبحانه نفى غفران الشرك أولا وقد حصل الإجماع على أنه سبحانه يغفره بالتوبة ثم أثبت غفران ما دون الشرك من المعاصي، فينبغي أن يكون المراد غفران من لم يتب منها ليخالف المنفي المثبت، ثم علق المشية بالمغفور لهم فقال: * (لمن يشاء) * أي: يغفر الذنوب التي هي دون الشرك لمن يشاء أن يغفر له من المذنبين ليكون العبد واقفا بين الخوف والرجاء خارجا عن الإغراء، إذ الإغراء إنما يحصل بالقطع على الغفران دون الرجاء للغفران المعلق بالمشية.
وقال جار الله: إن المنفي والمثبت في الآية موجهان إلى قوله: * (لمن يشاء) * والمراد بالأول: من لم يتب، وبالثاني: من تاب (1). وهذا الذي قاله غاية في الفساد والبطلان، لأنه يكون معنى الآية إذ ذاك أنه سبحانه لا يغفر الشرك لمن يشاء وهو غير التائب ويغفر لمن تاب منه، ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء وهو التائب ولا يغفر لمن لم يتب منه، فيصير المنفي والمثبت - كما ترى - سواء في الحكم والمعنى!! حاشا كلام الله الذي بهر العقول بفصاحته عن مثل هذه النقيصة التي يربأ بكلام كل عاقل عنها، على أن التوبة إذا حصلت أوجبت عنده إسقاط العقاب فكيف تعلق به (2) المشية؟ وهل يستجيز عاقل أن يقول: أنا أقضي الدين إن شئت أو لمن شئت؟ جل ربنا عن مثله وتقدس، اللهم لك الحمد على تأييدك وتسديدك * (ومن يشرك بالله فقد افترى) * أي: ارتكب * (إثما عظيما) * وهو مفتر في زعمه (3) أن العبادة يستحقها غير الله سبحانه.
سورة النساء / 49 - 51 * (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكى من يشاء ولا يظلمون فتيلا (49) انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به