الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥١٢
سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون. وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون. أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون. وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون. وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآياتنا إن كنتم صادقين.
____________________
التي هي (سواء محياهم ومماتهم) بدل من الكاف لأن الجملة تقع مفعولا ثانيا فكانت في حكم المفرد، ألا تراك لو قلت: أن نجعلهم سواء محياهم ومماتهم كان سديدا، كما تقول: ظننت زيدا أبوه منطلق. ومن قرأ سواء بالنصب أجرى سواء مجرى مستويا وارتفع محياهم ومماتهم على الفاعلية وكان مفردا غير جملة. ومن قرأ ومماتهم بالنصب جعل محياهم ومماتهم ظرفين كمقدم الحاج وخفوق النجم: أي سواء في محياهم وفى مماتهم، والمعنى إنكار أن يستوى المسيئون والمحسنون محيا وأن يستووا مماتا، لافتراق أحوالهم أحياء حيث عاش هؤلاء على القيام بالطاعات وأولئك على ركوب المعاصي، ومماتا حيث مات هؤلاء على البشرى بالرحمة والوصول إلى ثواب الله ورضوانه وأولئك على اليأس من رحمة الله والوصول إلى هول ما أعد لهم. وقيل معناه: إنكار أن يستووا في الممات كما استووا في الحياة لأن المسيئين والمحسنين مستو محياهم في الرزق والصحة، وإنما يفترقون في الممات، وقيل سواء محياهم ومماتهم كلام مستأنف على معنى أن محيا المسيئين ومماتهم سواء، وكذلك محيا المحسنين ومماتهم كل يموت على حسب ما عاش عليه. وعن تميم الداري رضي الله عنه أنه كان يصلى ذات ليلة عند المقام فبلغ هذه الآية، فجعل يبكى ويردد إلى الصباح - ساء ما يحكمون - وعن الفضيل أنه بلغها فجعل يرددها ويبكى ويقول: يا فضيل ليت شعري من أي الفريقين أنت (ولتجزى) معطوف على بالحق لأن فيه معنى التعليل، أو على معلل محذوف تقديره خلق الله السماوات والأرض ليدل بها على قدرته ولتجزى كل نفس: أي هو مطواع لهوى النفس يتبع ما تدعوه إليه فكأنه يعبده كما يعبد الرجل إلهه، وقرئ آلهة هواه لأنه هواه لأنه كان يستحسن الحجر فيعبده فإذا رأى ما هو أحسن رفضه إليه فكأنه اتخذ هواه آلهة شتى يعبد كل وقت واحدا منها (وأضله الله على علم) وتركه عن الهداية واللطف وخذله على علم عالما بأن ذلك لا يجدى عليه وأنه ممن لا لطف له، أو مع علمه بوجوه الهداية وإحاطته بأنواع الألطاف المحصلة والمقربة (فمن يهديه من بعد) إضلال (الله). وقرئ غشاوة بالحركات الثلاث وغشوة بالكسر والفتح. وقرئ تتذكرون (نموت ونحيا) نموت نحن ويحيا أولادنا، أو يموت بعض ويحيا بعض، أو نكون مواتا نطفا في الأصلاب ونحيا بعد ذلك، أو يصيبنا الأمران الموت والحياة، يريدون الحياة في الدنيا والموت بعدها وليس وراء ذلك حياة. وقرئ نحيا بضم النون، وقرئ إلا دهر يمر. وما يقولون ذلك عن علم ولكن عن ظن وتخمين، كانوا يزعمون أن مرور الأيام والليالي هو المؤثر في هلاك الأنفس وينكرون ملك الموت وقبضه الأرواح بأمر الله
(٥١٢)
مفاتيح البحث: الظنّ (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 507 508 509 510 511 512 513 514 515 516 517 ... » »»