الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٧
ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون. ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون. قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين. قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله، كتب على نفسه الرحمة
____________________
هول ما يشاهدون، ومعنى ثم بعد ما بين الامرين قضاء الامر وعدم الإنظار جعل عدم الانظار أشد من قضاء الامر، لأن مفاجأة الشدة أشد من نفس الشدة (ولو جعلناه ملكا) ولو جعلنا الرسول ملكا كما اقترحوا لأنهم كانوا يقولون لولا أنزل على محمد ملك، وتارة يقولون - ما هذا إلا بشر مثلكم - ولو شاء ربنا لأنزل ملائكة - (لجعلناه رجلا) لأرسلناه في صورة رجل كما كان ينزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعم الأحوال في صورة دحية لأنهم لا يبقون مع رؤية الملائكة في صورهم (وللبسنا عليهم) ولخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حينئذ فإنهم يقولون إذا رأوا الملك في صورة إنسان: هذا إنسان وليس بملك، فإن قال لهم: الدليل أني ملك أني جئت بالقرآن المعجز وهو ناطق بأني ملك لا بشر كذبوه كما كذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم، فإذا فعلوا ذلك خذلوا كما هم مخذولون الآن فهو لبس الله عليهم، ويجوز أن يراد وللبسنا عليهم حينئذ مثل ما يلبسون على أنفسهم الساعة في كفرهم بآيات الله البينة. وقرأ ابن محيصن " ولبسنا عليهم " بلام واحدة. قرأ الزهري " وللبسنا عليهم ما يلبسون " بالتشديد (ولقد استهزئ) تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما كان يلقى من قومه (فحاق) بهم فأحاط بهم الشئ الذي كانوا يستهزئون به وهو الحق حيث أهلكوا من أجل الاستهزاء به. فإن قلت: أي فرق بين قوله:
فانظروا، وبين قوله: ثم انظروا؟ قلت: جعل النظر مسببا عن السير في قوله فانظروا، فكأنه قيل: سيروا لأجل النظر ولا تسيروا سير الغافلين. وأما قوله - سيروا في الأرض ثم انظروا - فمعناه إباحة السير في الأرض للتجارة وغيرها من المنافع وإيجاب النظر في آثار الهالكين، ونبه على ذلك بثم لتباعد ما بين الواجب والمباح (لمن ما في السماوات والأرض) سؤال تبكيت و (قل الله) تقرير لهم: أي هو لله لا خلاف بيني وبينكم، ولا تقدرون أن تضيفوا شيئا منه إلى غيره (كتب على نفسه الرحمة) أي أوجبها على ذاته في هدايتكم إلى معرفته ونصب الأدلة لكم
(٧)
مفاتيح البحث: اللبس (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»