الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٥
ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون. ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا، ولا مبدل لكلمات الله، ولقد جاءك من نبأي المرسلين. وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية)
____________________
يجحدون بآيات الله. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى الأمين، فعرفوا أنه لا يكذب في شئ ولكنهم كانوا يجحدون. وكان أبو جهل يقول: ما نكذبك لأنك عندنا صادق، وإنما نكذب ما جئتنا به. وروى أن الأخنس بن شريق قال لأبي جهل: يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس عندنا أحد غيرنا، فقال له: والله إن محمدا لصادق وما كذب قط، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش؟ فنزلت. وقوله (ولكن الظالمين) من إقامة الظاهر مقام المضمر للدلالة على أنهم ظلموا في جحودهم (ولقد كذبت) تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا دليل على أن قوله فإنهم لا يكذبونك ليس بنفي لتكذيبه، وإنما هو من قولك لغلامك ما أهانوك ولكنهم أهانوني (على ما كذبوا وأوذوا) على تكذيبهم وإيذائهم (ولا مبدل لكلمات الله) لمواعيده من قوله - ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون - (ولقد جاءك من نبأ المرسلين) بعض أنبائهم وقصصهم وما كابدوا من مصابرة المشركين. كان يكبر على النبي صلى الله عليه وسلم كفر قومه وإعراضهم عما جاء به، فنزل - لعلك باخع نفسك - إنك لا تهدي من أحببت - (وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض) منفذا تنفذ فيه إلى ما تحت الأرض حتى تطلع لهم آية يؤمنون بها (أو سلما في السماء فتأتيهم) منها (بآية) فافعل: يعني أنك لا تستطيع ذلك، والمراد بيان حرصه على إسلام قومه وتهالكه عليه، وأنه لو استطاع أن يأتيهم بآية من تحت الأرض أو من فوق السماء لأتى بها رجاء إيمانهم. وقيل كانوا يقترحون الآيات فكان يود أن يجابوا
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»