الثاني أنه لا يوافقه قوله لا نعبد غيرك. فإن قلت: قوله ليكون الخطاب أدل تصريح بأن الغيبة لها دلالة ما على ذلك، وما قدرتموه من وجه الدلالة ينافي دلالتها. قلت: ضمير الغائب لجريانه على أصله ورجوعه إلى الذات ليس فيه ما يقتضى فهم الصفات، لكن لتقدم ذكرها ربما يفهم معه لابه، وهذا القدر كافي لإشعاره بالعلية في الجملة.
ولما كان صفاته تعالى عين ذاته أو مستندة إليها وحدها وكانت أفعاله متفرعة عن صفاته الذاتية كان استحقاقه العبادة لصفاته وأفعاله راجعا إلى الاستحقاق الذاتي (قوله لم قرنت الاستعانة بالعبادة) أراد لأي مناسبة وتعلق جمع بينهما، فأجاب بأن العبادة أمر يتقرب به العباد إلى ربهم، والاستعانة طلب ما يحتاجون إليه من جهته: أي من جهة الرب وهو إعانته إياهم في حوائجهم ومهماتهم. ولا يخفى أن تقربهم إليه وطلبهم منه المعونة في مهماتهم متناسبان غاية التناسب فقرن أحدهما بالآخر، فالوجه في تفريع السؤال حينئذ أن العبادة لما كانت تقربهم إلى مولاهم بأفعالهم والاستعانة طلب لفعل المولى كان تقديما على العبادة أولى فلم قدمت عليها؟ والجواب: أن الاستعانة طلب الحاجة والعبادة وسيلة إليها، فقدم الوسيلة على مجرى العادة ليستحقوا الإجابة. وقيل الضمير في قوله من جهته راجع إلى ما يتقرب به على معنى أن الإعانة تطلب ويحتاج إليها من جهة العبادة ولأجل تحصيلها فيظهر على هذا التقرير تفريع السؤال، لأن طلب ما يحتاج إليه في حصول العبادة ينبغي أن يقدم عليها وبطلانه من وجوه: الأول أن قوله ليتناول كل مستعان فيه ينافيه. الثاني أنه يجعل هذا الوجه راجعا إلى الأحسن الذي سيذكره وقد جعله المصنف مقابلا له. الثالث أن الجواب لا يطابقه، فإن العبادة حينئذ مقصودة بذاتها والإعانة وسيلة إليها على عكس ما ذكره في الجواب، فينبغي حينئذ أن يجاب بأن الإعانة مطلوبة لتكميل العبادة بازديادها أو بثباتها، يدل على ذلك جعل " اهدنا " بيانا لها وطلب ما يزاد به الشئ أو يستمر متأخر عنه، ولو جعلت الإعانة مطلوبة لتحصيل العبادة ابتداء. وأجيب على هذا التقرير بأن تقديم المقصود على طلب وسيلة تحصيله للاهتمام لكان له وجه وجيه.