التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٥٥١
(يعرشون ويعرشون، ويعكفون ويعكفون).
يقول الله تعالى مخاطبا للمؤمنين وآمرا لهم بأنه إذا قيل لهم تفسحوا في المجلس بمعنى اتسعوا فيها، يقال: تفسح تفسحا وله في هذا الامر فسحة أي متسع. والتفسح الاتساع في المكان، وفسح له في المجلس يفسح فسحا. ومكان فسيح وفسح. والتفسيح والتوسع واحد. قال قتادة: كانوا يتنافسون في مجلس النبي صلى الله عليه وآله فقيل لهم تفسحوا وقال ابن عباس: أراد به مجلس القتال " فافسحوا " أي وسعوا " يفسح الله لكم " أي يوسع عليكم منازلكم في الجنة " وإذا قيل انشزوا فانشزوا " أي إذا قيل لكم ارتفعوا في المجلس فارتفعوا، والنشوز الارتفاع عن الشئ بالذهاب عنه. ومنه نشوز المرأة عن زوجها، يقال: نشز ينشز نشوزا ونشزا. قال قتادة ومجاهد والضحاك:
معناه إذا قيل قوموا إلى صلاة أو قتال عدو أو أمر بمعروف أي تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله فقوموا.
وقوله " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " معناه متى ما فعلتم ما أمرتم به رفع الله الذين آمنوا منكم، ورفع الذين أوتوا العلم درجات، لأنهم أحق بالرفعة. وفى ذلك دلالة على أن فعل العالم أكثر ثوابا من فعل من ليس بعالم " والله بما تعملون " من التفسح والنشوز وغير ذلك (خبير) أي عالم.
ثم خاطبهم أيضا فقال (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول) أي شاورتموه (فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) قال الزجاج: كان سبب نزول الآية ان الأغنياء كانوا يستخلون النبي صلى الله عليه وآله فيشاورونه بما يريدون، والفقراء لا يتمكنون من النبي تمكنهم، ففرض الله عليهم الصدقة قبل النجوى ليمتنعوا من ذلك، وتعبدهم بأن لا يناجي أحد رسول الله إلا بعد ان يتصدق بشئ ما قل أو كثر، فلم يفعل أحد ذلك على ما روي، فاستقرض أمير المؤمنين علي عليه السلام دينارا وتصدق به، ثم ناجى
(٥٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 546 547 548 549 550 551 552 553 554 555 556 ... » »»
الفهرست