التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٥٤٧
ونسوه هم (والله على كل شئ شهيد) ومعناه انه يعلم الأشياء كلها من جميع وجوهها لا يخفى عليه شئ من ذلك وإن كان كثيرا من الأشياء لا يصح مشاهدتها ولا إدراكها، ومنه قوله (شهد الله انه لا إله إلا هو) (1) أي علم ذلك.
ثم بين فقال (ألم تر) ومعناه ألم تعلم، والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله والمراد به جميع المكلفين (ان الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض) من الموجودات لا يخفى عليه شئ منها، لأنه عالم لنفسه يجب أن يكون عالما بما يصح أن يكون معلوما. وقيل التقدير ألم تر ان الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض مما ترى من تدبيرهما من مسير الشمس والقمر ومجيئ الحر والبرد والزرع والثمار وسائر صنوف الأشجار على ما تقتضي الحكمة عالما دبر ذلك وجعل كل شئ منه في وقته ولما يصلح له، وذلك يقتضي انه عالم بكل نجوى، لأنه عالم لنفسه لا بحدوث علم. وإذا ثبت انه عالم لنفسه وجب أن يكون عالما بكل معلوم.
وقوله (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا) والمعنى انه عالم بأحوالهم وجميع متصرفاتهم فرادى وعند الاجتماع، لا يخفى عليه شئ منها، فكأنما هو معهم مشاهد لهم. وعلى هذا يقال: إن الله تعالى مع الانسان حيث ما كان، لأنه عالم لا يخفى عليه شئ من أمره حتى أنه ظاهر له أتم الظهور لمن شاهده ممن هو معه في المكان، وحسن هذا لما فيه من البيان، فأما أن يكون معهم على طريق المجاورة فمحال، لان ذلك من صفات الأجسام، والله تعالى ليس بجسم. ويقولون: فلان رابع أربعة إذا كان أحد أربعة ورابع ثلاثة إذا جعل ثلاثة أربعة بكونه معهم.
ويجوز على هذا ان يقال: رابع ثلاثة ولا يجوز رابع أربعة، لأنه ليس فيه معنى

(1) سورة 3 آل عمران آية 18
(٥٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 542 543 544 545 546 547 548 549 550 551 552 ... » »»
الفهرست