التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٤٢
ليست مقلوبة بل المفازة المهلكة، يقولون: فوز الرجل إذا هلك ومات. ومن قرأ " تأمرونني " فلانه الأصل. ومن شدد أدغم احدى النونين في الأخرى. ومن خفف حذف احدى النونين، كما قال الشاعر:
تراه كالثغام يعل مسكا * بسوء الغانيا إذا قليني (1) أراد قلينني فحذف. لما اخبر الله تعالى عن حال الكفار وأن الله يحشرهم يوم القيامة مسودة وجوههم، وأن مقامهم في جهنم، اخبر انه ينجي الذين اتقوا معاصي الله خوفا من عقابه، ويخلصهم. وقوله " بمفازتهم " بمنجاتهم من النار بطاعاتهم التي أطاعوا الله بها. واصل المفازة المنجاة، وبه سميت الفلاة مفازة على وجه التفاؤل بالنجاة منها، كما سموا اللديغ سليما. ومن وحد فلانه اسم جنس أو مصدر يقع على القليل والكثير. ومن جمع أراد تخلصهم من مواضع كثيرة فيها هلاك الكفار وأنواع عذابهم.
وقوله " لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون " معناه إن هؤلاء المؤمنين الذين يخلصهم الله من عقاب الآخرة وأهوالها لا يمسهم عذاب أصلا، ولا هم يغتمون على وجه. وقوله " لا يمسهم السوء " معناه نفيا عاما لسائر أنواع العذاب، والعموم في قوله " ولا هم يحزنون " فيه تأكيد له، وقيل: لئلا يظن ظان انه لما لم يمسهم العذاب جاز أن يمسهم بعض الغم، ففي ذلك تفصيل واضح يزيل الشبهة.
ثم اخبر تعالى انه خلق كل شئ، ومعناه انه يقدر على كل شئ، " وهو على كل شئ وكيل " أي له التصرف في ما يريد حافظ له، وإن حملنا معنى الخلق على الاحداث، فالمراد به " خالق كل شئ " من مقدوراته من الأجسام والاعراض. وقوله " له مقاليد السماوات والأرض " والمقاليد المفاتيح واحده

(1) قد مر في 6 - 341
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»
الفهرست