التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٤٠٩
قال الشاعر:
أبلغ بني ثعل عني مغلغلة * جهد الرسالة لا ألتا ولا كذبا (1) وقوله (كل امرئ بما كسب رهين) أي كل إنسان يعامل بما يستحقه ويجازى بحسب ما عمله إن عمل طاعة أثيب عليها وإن عمل معصية عوقب بها لا يؤاخذ أحد بذنب غيره. والرهين والمرهون والمرتهن هو المحتبس على أمر يؤدى عنه بحسب ما يجب فيه، فلما كان كل مكلف محتبسا على عمله، فان صح له أداؤه على الواجب فيه تخلص، وإلا هلك، فلهذا قال (كل امرئ بما كسب رهين).
قوله (وأمددناهم بفاكهة) فالامداد هو الاتيان بالشئ بعد الشئ يقال:
مد الجرح وأمد النهر، والفاكهة هي الثمار (ولحم مما يشتهون) أي وأمددناهم أيضا بلحم من الجنس الذي يشتهونه.
وقوله (يتنازعون فيها كأسا) أي يتعاطون كأس الخمر، قال الأخطل:
نازعتهم طيب الراح الشمول وقد * صاح الدجاج وحانت وقعة الساري (2) والكأس الاناء المملوء بالشراب، فإن كان فارغا فلا يسمى كأسا - ذكره الفراء - وقوله (لا لغو فيها ولا تأثيم) معناه لا يجري بينهم باطل ولا ما يلغى فيه ولا ما فيه أثم كما يجري في الدنيا عند شرب الخمر. وقوله (ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون) يعني في صفائه وبياضه وحسن منظره، والمكنون المصون.
وقيل: ليس على الغلمان مشقة في خدمة أهل الجنة، بل لهم في ذلك لذة، لأنه ليس هناك دار محنة. وقوله (واقبل بعضهم على بعض يتساءلون) أي يسأل بعضهم بعضا عن حاله، وما هو فيه من أنواع النعيم فيسرون بذلك ويزداد فرحهم

(1) تفسير الطبري 27 / 15 (2) تفسير الطبري 27 / 16 والقرطبي 17 / 68.
(٤٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 404 405 406 407 408 409 410 411 412 413 414 ... » »»
الفهرست