التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٤١٤
طلب الارتفاع كطلب الظالم للعباد في الشدة، فحسن على جهة الاستعارة.
وقوله (أم يقولون تقوله) معناه بل يقولون أفتراه واخترعه وافتعله، لان التقول لا يكون إلا كذبا، لأنه دخله معنى تكلف القول من غير حقيقة معنى يرجع إليه، وكذلك كل من تكلف أمرا من غير اقتضاء العقل أن له فعله فهو باطل. ثم قال (بل) هؤلاء الكفار (لا يصدقون) بنبوتك ولا بأن القرآن انزل من عند الله. والآية ينبغي أن تكون خاصة فيمن علم الله انه لا يؤمن.
ثم قال على وجه التحدي لهم (فليأتوا بحديث مثله) يعني مثل القرآن وما يقاربه (إن كانوا صادقين) في أنه شاعر وكاهن ومجنون وتقوله، لأنه لا يتعذر عليهم مثله. وقيل المثل الذي وقع التحدي به هو ما كان مثله في أعلا طبقة البلاغة من الكلام الذي ليس بشعر. وأعلا طبقات البلاغة كلام قد جمع خمسة أوجه:
تعديل الحروف في المخارج، وتعديل الحروف في التجانس وتشاكل المقاطع مما تقتضيه المعاني وتهذيب البيان بالايجاز في موضعه والاطناب في موضعه، والاستعارة في موضعها والحقيقة في موضعها. واجراء جميع ذلك في الحكم العقلية بالترغيب في ما ينبغي ان يرغب فيه. والترهيب مما ينبغي ان يرهب منه، والحجة التي يميز بها الحق من الباطل. والموعظة التي تليق للعمل بالحق.
وقوله (أم خلقوا من غير شئ) معناه أخلقوا من غير خالق (أم هم الخالقون) لنفوسهم فلا يأتمرون لامر الله ولا ينتهون عما نهاهم عنه. وقيل:
معنى (أخلقوا من غير شئ) أخلقوا لغير شئ أي أخلقوا باطلا لا لغرض.
وقيل: المعنى أخلقوا من غير أب ولا أم فلا يهلكون، كما أن السماوات والأرض خلقتا من غير شئ، فإذا هم أضعف من السماء الذي خلق لامن شئ، فإذا كان ما خلق لامن شئ يهلك فما كان دونه بذلك أولى. وقوله (أم خلقوا السماوات
(٤١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 409 410 411 412 413 414 415 416 417 418 419 ... » »»
الفهرست