التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٣٩٨
هذا اخبار من الله تعالى أنه لم يخلق الجن والإنس إلا لعبادته، فإذا عبدوه استحقوا الثواب، واللام لام الغرض ولا يجوز أن يكون لام العاقبة لحصول العلم بأن كثيرا من الخلق لا يعبدون الله. وفي الآية دلالة على بطلان مذهب المجبرة القائلين: بأن الله خلق كثيرا من خلقه للكفر به والضلال عن دينه وخلقهم ليعاقبهم بالنيران، لأنه لا يجوز أن يكون في كلام الله تعالى تناقض، ولا اختلاف وقوله (ولقد ذرأنا لجهنم) (1) قد بينا في ما مضى أن اللام لام العاقبة. والمعنى إنه خلق الخلق كلهم لعبادته وتصير عاقبة كثير منهم إلى جهنم بسوء اختيارهم من الكفر بالله وارتكاب معاصيه.
فان قيل: أليس قد خلق الله كثيرا من خلقه لطفا لغيرهم، فكيف يكون خلقهم لعبادته؟!.
قلنا: ما خلقه الله تعالى على ضربين: مكلف، وغير مكلف، فما ليس بمكلف خلقه للطف المكلفين، جمادا كان أو حيوانا. وما هو مكلف خلقه لعبادته وإن كان في خلقه أيضا لطف للغير، وكأنه يكون خلقه للامرين ويكون بمنزلة ما خلقته إلا ليعبد مع عبادة غيره لان عبادة غيره مما هو غرض في خلقه، ولولا ذلك لم يكن في خلق النبي عليه لطف لغيره، فالتقدير ما خلقته إلا لعبادته مع عبادة غيره به، وهو بمنزلة قول القائل ما أدبت ولدي إلا ليصلح جميعهم أي بتأديبي له مع تأديب غيره الذي يدعوه إلى خلافه، وليس المعنى ما خلقت كل مكلف إلا ليعبد هو فقط.
وفى الآية دلالة على أنه تعالى لا يريد المباح، لأنه ليس من العبادة.
وقوله (ما أريد منهم من رزق وما أريد ان يطعمون) معناه نفي الايهام عن خلقهم لعبادته أن يكون ذلك لفائدة تقع وتعود عليه تعالى، فبين انه لفائدة (1) سورة 7 الأعراف آية 178
(٣٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 403 ... » »»
الفهرست