التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ١١١
جواب لذلك القول بل أخبر تعالى عن اختراعه السماوات والأرض وانشائه لهما من غير تعذر ولا مشقة ولا كلفة ومن غير ملابسة ولا معاناة بمنزلة ما قيل:
للمأمور افعل ففعل من غير تلبث ولا توقف، فعبر عن ذلك بالامر والطاعة وهو كقوله (كن فيكون) (1) وقد بينا الوجه في ذلك ويكون التقدير كأنه قيل:
أتينا بمن فينا طائعين أي سبحانه فعل الطبائع في ما أمر به وإنما قلنا ذلك لأنه تعالى لا يأمر المعدوم ولا الجماد، لان ذلك قبيح يتعالى الله عن ذلك ومثل ذلك قول الشاعر:
امتلأ الحوض وقال قطني * مهلا رويدا قد ملأت بطني (2) ونظائر ذلك كثيرة بيناها في ما مضى وإنما قال (طائعين) ولم يقل طائعتين، لأنه لما اسند الفعل اليهما وهو مالا يكون إلا من العقلاء اخبر عنهما بالياء والنون، وقال قطرب: لان المعنى أتينا بمن فينا من العقلاء فغلب حكم العقلاء.
وقال الشاعر:
فأجهشت للتوباد حين رأيته * وكبر للرحمن حين رآني فقلت له أين الذين عهدتهم * بجنبيك في حفض وطيب زمان فقال مضوا واستودعوني بلادهم * ومن ذا الذي يبقى على الحدثان (3) وقوله (فقضاهن سبع سماوات في يومين) معناه جعلهن سبع سماوات على اتمام خلقهن لان القضاء جعل الشئ على إتمام وإحكام ولذلك قيل: انقضى أي قد تم ومضى، وقضى فلان إذا مات، لان عمره تم ومضى. وقيل: إن السماء موج مكفوف، روي ذلك في الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله. وقال الحسن: هي سبع أرضين

(1) سورة 36 يس آية 82 وغيرها (2) مر في 1 / 431 و 8 / 85، 369 (3) قد مر في 8 / 369
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»
الفهرست